هل أذن النبي – صلى الله عليه وسلم -؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:
فالأذان من العبادات التي رتب الشارع عليها الأجر العظيم، وجعل أهلها أطول أعناقاً يوم القيامة؛ وذلك لأنهم رفعوا شعار التوحيد والسلامة قال – صلى الله عليه وسلم -: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة))1، بل لهم من الأجور ما لا يحصيها إلا الله، إذ تستغفر لهم كل المخلوقات التي يبلغها أذانهم فقد جاء عن ابن عمر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يغفر الله للمؤذن منتهى أذانه، ويستغفر له كل رطب ويابس سمع صوته))2.
ومن المعلوم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان مسارعاً في الخير، وقدوة في العبادة والإنفاق والشجاعة وكل الفضائل، لكن السؤال: هل أذن – صلى الله عليه وسلم – مع وجود الأجر الكبير في ذلك؟.
هذا السؤال طرح على الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى-، وننقل الفتوى فيها كما جاءت: "السؤال: هل ثبت أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أذن للصلاة، وما الحكمة من ذلك؟
الجواب: جاء في كتاب "نور الأبصار للشبلنجي ص 49" قال النيسابوري: الحكمة في كونه – صلى الله عليه وسلم – كان يؤم ولا يؤذن؛ أنه لو أذن لكان من تخلف عن الإجابة كافراً، وقال أيضاً: ولأنه كان داعياً فلم يجز أن يشهد لنفسه، وقال غيره: لو أذن وقال: أشهد أن محمداً رسول اللّه؛ لتوهم أن هناك نبياً غيره، وقيل لأن الأذان رآه غيره في المنام فوكله إلى غيره، وأيضاً ما كان يتفرغ إليه من أشغاله، وأيضاً قال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((الإمام ضامن، والمؤذن أمين))3 رواه أحمد وأبو داود والترمذي، فدفع الأمانة إلى غيره.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام – رحمه الله تعالى -: "إنما لم يؤذن لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته أي جعله دائماً، وكان لا يتفرغ لذلك لاشتغاله بتبليغ الرسالة وهذا كما قال عمر – رضي الله عنه -: "لولا الخلافة لأذنت".
وأما من قال: إنه امتنع لئلا يعتقد أن الرسول غيره فخطأ؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: في خطبته: وأشهد أن محمداً رسول اللَّه.
هذا، وجاء في نيل الأوطار للشوكاني "ج 2 ص 36" خلاف العلماء بين أفضلية الأذان والإمامة، وقال في معرض الاستدلال على أن الإمامة أفضل: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين بعده أمُّوا ولم يؤذنوا، وكذا كبار العلماء بعدهم"4.
وقد بيَّن بعض العلماء أنه ليس بالضرورة أن تفضل الإمامة على الأذان لكون النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين وكبار العلماء أمُّوا ولم يؤذنوا، بل لانشغالهم بغير الأذان، إذ أن الأذان خاصة في زمانهم مسؤوليته أصعب من اليوم في متابعة أوقاته وغير ذلك.
بل إن فضل الأذان عظيم، ولو يعلم الناس ما فيه من الثواب لاستهموا عليه، وهذا العلامة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر أفضلية الأذان على الإمامة يقول: "..ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة، فإن قال قائل: إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يؤذن، ولا الخلفاء الراشدون؟ أجاب العلماء عن هذا بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد؛ لأنهم خلفاء أئمة يدبرون أمر الأمة، والأذان في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس كالأذان في وقتنا، الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه سوى أن ينظر إلى الساعة، ويعرف الوقت حل أو لم يحل، لكن في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يراقبون الشمس، ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت، وكذلك أيضاً يراقبون حتى يعرفوا أنها غربت، ثم يراقبون الشفق، ثم يراقبون الفجر، ففيه صعوبة عظيمة، لذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان، وقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – فضيلته بأن الناس لو يعلمون ما فيه – النداء – ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهمو5، معنى هذا أن الناس لو يعلمون ما في الأذان من فضل وأجر لكانوا يقترعون أيهم الذي يؤذن، بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعون هذا يقول: أذِّن، وهذا يقول: بل أذن أنت…"6.
وبهذا نعلم السبب في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يؤذن.
نسأل الله الهداية والسداد، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين.