استخلاص العبر من معركة غزة

استخلاص العبر من معركة غزة

 

استخلاص العبر من معركة غزة

الشيخ محمد صالح المنجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ..

فإن الاعتبار والاتعاظ مما أراده الله تعالى من الناس مما يقدّر الله عز وجل في هذه الدنيا من أحداث فيها عبر بالغة، ويجري من الأقدار ما فيه من الحكم العظيمة، والدروس لعباده من أولي الألباب، الذي يعقلون، وكثيراً ما تأتي الآيات القرآنية بعد الأحداث العظيمة آمرة المؤمنين بأخذ العبرة والاتعاظ، ففي أعقاب غزوة بدر قال الله تعالى : {َقدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (آل عمران: من الآية13) .

وفي أعقاب إجلاء يهود بني نضير ورحيلهم بعد حصارهم، وهزيمتهم بعد خيانتهم قال تعالى : {هوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (الحشر: من الآية2) .

بعد تلك الأحداث قال : { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ }، ومن سبب مجيء الأمر بالاعتبار بعد الأحداث العظام مباشرة أن القلوب تكون متهيئة، والنفوس تكون صالحة ومنفتحة للاعتبار وأخذ العظة والتأثر والاستفادة، وأن مما جرى من أقدار الله العظيمة في أرض فلسطين؛ تلك المواجهة وذلك العدوان الذي حصل من إخوان القردة والخنازير، من هؤلاء اليهود الأمة الغضبية الملعونة على المسلمين , وكانت محنةً عظيمةً وحرباً شديدةً، وكان فيها من الفوائد والدروس والعبر لمن نظر، وما أنفعها لمن  اعتبر، والعظة نوعان، عظة بالمسموع وعظة بالمشهود، وقد اجتمع الأمران في تلك الأحداث، فإن هذه الوسائل التي نقلت الصوت والصورة؛ بحيث صار الناس كأنهم في مسرح الأحداث، يسمعون ويرون، وإذا كان المسلم يتعظ بما أنزل الله من الكتاب، وما يسمعه من الآيات، ويتعظ بما يشاهده من مخلوقاته – سبحانه وتعالى – وأحكام قدره ومجاريه وما يشهده العالم من مواقع العبر، فلا بد أن يكون للإنسان مع مثل هذه الأحداث وقفات كثيرة، يزداد فيها يقينه، ويقوي فيها إيمانه، ويعتبر فيها  لمستقبله، ويتبّصر في هذه الحال الذي نعيش فيه وهذا الواقع الموجود، كيف يُجري الله أقداره، يتلمس الحكم في هذه الأحوال، والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه عن عداوة هؤلاء للمؤمنين، فقال عز وجل {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} (المائدة: من الآية82)، وبالفعل، من رأى قصفهم وإجرامهم وتقتيلهم وعدوانهم، رأى انطباق الآية في الواقع انطباقاً عظيماً كاملاً {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} (المائدة: من الآية82)، من رأى ظلمهم وطغيانهم، من رأى جبروتهم وتسلطهم، علم فعلاً ويقيناً بمعنى قوله تعالى : {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً } (التوبة: من الآية10) ، لقد رأينا ذلك واضحاً في الوحشية والتخريب والفساد والإفساد، حتى انطبق عليهم ما هو موجود في كتبهم المحرفة من وصفهم رجسة الخراب والخطيئة المدمرة، هاتان كلمتان في كتبهم المحرفة تصف دولتهم التي تقوم في آخر الزمان أنها رجسة الخراب والخطيئة المدمرة، من رأى ما أحدثوه من الظلم والأذى والشر في الأرض علم يقيناً قوله تعالى : {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً } (المائدة: من الآية33). في وصفهم، هؤلاء لمّا قتلوا هذه الأعداد العظيمة التي قاربت الألف والخمسمائة، وجرحوا الآلاف وشردوا الناس، وخربوا الديار، ولم يسلم منهم لا الأموات ولا الأحياء، حتى مقبرة رضوان قصفوها، وخرجت الجثث من القبور، يعلم يقيناً أن الله لما وصفهم بأنهم يسعون في الأرض فسادا أن القوم كذلك .

لما نرى ما خلفته حربهم، من المعاقين والمشردين، والأرامل والأيتام والمظلومين والمقهورين والمرضى. هذه أسلحة تسبب سرطانات، قنابل الدايم التي تقتل أو تبتر الأطراف أو تسبب الأورام المهلكة خلال ستة إلى ثمانية أشهر، وهذه القنابل الفسفورية التي تحرق الجلد وتمزق الأنسجة والأعصاب، والارتجاجية والفراغية وذوات الشظايا و الصوت المروّع ، هذا الدمار الذي لحق بآلاف المنازل والأحياء التي سويت بالأرض، وعشرون ألف بيت مدمر جزئياً،وألف وخمسمائة مصنع، حتى بيوت الله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } (البقرة: من الآية114) . خربوا سبعة وعشرين مسجد من مساجد غزة، حتى قُدّرت الخسائر الاقتصادية المباشرة على المسلمين بأكثر من ملياري دولار، قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد:25) .  صار الناس يبحثون في الركام عن بيوتهم، حتى معالم البيوت اختفت، فهذا يقول : أظن بيتي هنا، لا قد يكون أبعد قليلا ً، حتى المعالم ضُيعّت، حتى قامت البلدية تحاول التوصل إلى حد بيت فلان وحد بيت فلان من التدمير الذي حصل، هؤلاء الذي كانوا يفرغون رصاصهم في الأطفال، بنت عمرها ست سنين أفرغوا أربع عشرة رصاصة في جسدها، مولود عمره سنتان أطلقوا عليه ست رصاصات، لماذا ؟ تقتله واحده ؟ لكن هذا الحقد، هذه الوحشية، يقول قائل : ولماذا لم ينتقم الله منهم، ولماذا لم ينزل بهم بأسه وعذابه وغضبه، ولماذا لم يأخذهم أخذاً أليماً وبيلاً شديداً، فنقول  {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الانبياء:23) فلله الحكمة البالغة، {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ}(محمد: من الآية4)؛ لأهلكهم بلحظة، هل يُعجزونه ؟ هل يستطيعون أن يفروا من ملكه ؟ هل يستطيعون أن يدفعوا  قدره، هل يستطيعون أن ينجوا من عذابه لو أراد أن يبطش بهم ؟ لا يمكن، فهم يعيشون على أرضه، وفي ملكه، وتحت سلطانه وقهره سبحانه ، لا يمكن أن يفلتوا من الله، ولذلك المسألة كما قال الله : {ولا تَحْسَبَنَّ للَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} (ابراهيم 24-43) {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (ابراهيم:47) . هؤلاء الذين يأتون بالمذابح تلو المذابح قد أعلمونا بالفعل وبالسيرة العملية، أنه لا يمكن التعايش السلمي معهم، وصدق الله لما قال عنهم : {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ}(البقرة: من الآية217) . وهذا يدل على الاستمرار.

لقد كان من المواعظ العظيمة انطباق الآيات على أقوام سلكوا سبيل النفاق، { وقَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ} (آل عمران: من الآية167) . وتهربوا من الأمر، وكانوا من المرجفين والمخذّلين والمثبطين كما قال الله : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } (الأحزاب: من الآية18) . معوّق ليس فقط يعيق، يعوق يخذل يثبط، هؤلاء قالوا كما قال ربكم ، تقرأ الآية وتنظر إلى الواقع، فتندهش، كيف الله يصف المنافقين، وكيف يأتون على وصف الآية، وحتى الكلمات، { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} (آل عمران: من الآية168) . سبحان الله العظيم، وكما قال المنافقون : يا أهل يثرب، لأنهم ما كانوا يعترفون بالمدينة ولا بطيبة ولا بأي شيء إسلامي ولا بشعار إسلامي، فالمنافقون قالوا :{يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}(الأحزاب: من الآية13) . وهكذا في أتون الحملة وفي وسط المواجهة بدل أن يشدوا من عزيمة المسلمين، يقولون : يا أهل غزة لا مقام لكم فارجعوا، سلموا واستسلموا وانسحبوا، لا طاقة لكم بهم، هذا أسلوب التخذيل، هذا أسلوب التثبيط،{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ }(الأحزاب: من الآية19) . كلام قوي ووقيعة، ويتهمون المسلمين  أنهم يتخذون النساء والأطفال دروع بشرية، الآن المجرم الذي يقتل النساء والأطفال يُترك!! أكثر من أربعين في المائة من القتلى من النساء والأطفال، ما ذنبهم ؟ بأي ذنب قتلوا ؟ ثم يقال : اتخذتموهم دروعا، وهل هذا فعلاً حصل ؟

هؤلاء اليهود الذين كانوا يصّبون جام غضبهم  على المستضعفين، لأنهم جبناء، لا يقاتلون المسلمين وجهاً لوجه، إنما يصبون غضبهم على المستضعفين، أين ظهرت بطولات اليهود ؟ العزّل المدنين، الأطفال، النساء، العجزة، الكبار، الذي ليس معه شيء يدفعهم به، ظهرت بطولاتهم على هؤلاء،  يحشدونهم في البيت واحد ويقصفونه، يُقتل من يُقتل ويُجرح من يُجرح،الجرحى يضمد بعضهم لبعض في برك الدماء، ثم يقولون : أُخرجوا، فإذا خرجوا رشقوهم ببنادقهم، فإذا ركضت امرأة أو ولد ضربوهم بأكعبها وأعقابها؛ هذا يدل على أن هذه الملة الرجسة الخبيثة، هذه الكائنات العجيبة، هؤلاء الذين ابتلى الله البشرية بهم ، هؤلاء الذين سماهم الله في كتابه بالمغضوب عليهم؛ لأنه لعنهم في كتابه، وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وسلط عليهم عباده فجاسوا خلال الديار، هؤلاء الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله، هؤلاء بسعيهم في الأرض فسادا، وبقتلهم الأنبياء، هؤلاء أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء؛ ولذلك فإنه مطبوع مختوم عليهم بلعنة الله وغضبه إلا من أدركته رحمة الله .

ومن العبر العظيمة أننا رأينا في الأمة خيراً كثيرا ً، وثبت أن هذه الأمة فيها مجد وشرف وعز وبسالة وبطولة وقوة، وصمود وثبات، مع أنهم من المستضعفين،وقبلها كانوا في حصار!! لا ماء، ولا غذاء ولا كهرباء، هؤلاء المحاصرون ثبتوا في هذا القصف العظيم، ولا رفعوا راية بيضاء، ولا استسلموا، ولا سلموا ديارهم، ولا تركوا اليهود يجوسون خلالها، ويحتلونها، ولم يسلموا لهم ما يريدون، ولم ينزلوا على شروطهم، سبحان الذي ثبتهم، هذا الثبات بحد ذاته درس عظيم للمسلمين، كأن الخطاب للأمة : يا أيتها الأمة استيقظي، يا أيتها الأمة : {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } (آل عمران: من الآية139)، يا أيتها الأمة :  أنتم تستطيعون الصمود والبقاء والبطولة والثبات، أنتم تقفون في وجه العدو، أنتم تفوتون مقاصده، أنتم تحرجونه، أنتم تكشفون ستره وتبينون حقيقة أمره للعالم . هذه الأمة ياإخوان والله العظيم فيها خير كثير، وهذا الذي شهدناه من مسلمي غزة، يبين أن الأمة فيها أبطال وشجعان، نساء ورجال وأطفال، لو استمعت لتصريحات أطفالهم ..  هذا قتل أبوه أمس وأول أمس وقبل أيام أمه وأخواته، والعم وأولاد العم والجيران والأقارب، ويقول كانت هذه غرفة نومي، هذا ما تبقى لأخي قميص أزرق، ما هذا الثبات العجيب لأطفالهم، وترى العبارات الإيمانية القرآنية، فإن من أكثر الكلمات التي وردت على ألسنة هؤلاء المصابين : حسبنا الله ونعم الوكيل، والله معنا، ولا يمكن أن نستسلم ونترك بيوتنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، واللهم أجرنا في مصيبتنا، والحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي شرفني بقتلهم .

معنى ذلك أن الدين يسري، وأن الأمة تستيقظ،وأن الدعوة تنتشر، وأن الصحوة والتعليم وآثار الكتاب والسنة تمشي بين الناس،والتربية عليها لها أثر وواقع ملموس، وماذا ترى من القصص العظيمة وتسمع من تلك الأحداث المسطرة التي كانوا خلالها يقتحمون في العدو،ويجوسون خلالهم، ادخلوا  عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، هذه النفسية والقوة والجرأة التي جعلت أولئك القوم يتراجعون وينسحبون، ولا يستجيبون لمن يأمرهم من قادتهم بأن يقتحموا ويدخلوا ( اليهود )، قالوا محاكمات للجنود، لماذا ؟ لأنهم لما رأوا هذه البسالة من المسلمين ، والله وصف اليهود {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ }(البقرة: من الآية96).  فلذلك يضع عشرين احتياط، وعشرين ترس، وعشرين تصفيح، وعشرين وقاية، وأشياء واتصالات وإمدادات واحتياط، وبعد ذلك .. يخرج له من يريد الموت في سبيل الله فلا يمكن أن يصمد أمامه، لأنه ه يريد الموت، والآخر الذي يريد الحياة لا يمكن أن يثبت أمامه، اليهود {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ }(البقرة: من الآية96)، وهؤلاء يريدون الشهادة في سبيل الله، لا يمكن أن يصمدوا هذا مستحيل، واضحة جداً المعادلة، ولذلك من تصريحات الجنود اليهود أنهم قالوا تعلمنا أشياء من العلوم العسكرية والتدريبات ولكن الأشياء التي رأيناها في أمور ما تعودنا عليها ولا قد رأيناها ولا عندنا احتياط لها وهي جديدة علينا، وحتى رأوا من أنواع الأشياء التي أُعدت لهم ما لم يكونوا يحتسبون وما لا ليس لهم به قبل، وقالوا : نقاتل أشباحاً لا ندري من أين يخرجون، ولذلك المسألة هي درس للأمة، أعدائكم مهما كثر عددهم  ومهما كثر سلاحهم وعُددُهم فإن النصر من عند الله، { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } (النساء: من الآية104) . وحصل عندهم قتل وجرح ورعب وخوف، مليون نزلوا للملاجئ، صدمات عصبية، شتان بين قتلانا وقتلاهم، لو قال واحد : كل هؤلاء الذين قتلوا من المسلمين يعني هذه هزيمة، لا، ليس معيار الهزيمة بكم عدد الذين قتل منا وعدد الذين قتل منهم، خالد بن الوليد – رضي الله عنه – اعتبر عمله نصراً عظيماً لما انسحب بالمسلمين في مؤتة من أمام ذلك العدو المزلزل الطاغي، واعتبر الذي فعله بإنقاذ أرواح جيش المسلمين نصراً، هكذا عند الذين يعرفون فنون القتال، فإذا حصل صمود كهذا وثبات ولم يتمكن هؤلاء الأعداء من فرض شروطهم ولا من الوصول إلى مقاصدهم والأشياء التي قالوها في البداية تراجعوا عنها في النهاية، ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى وسط الأحياء وأن يحتلوها وأن ينزعوا سلاح المسلمين وأن يأخذوا شبابهم وأن يغيروا حياتهم ونظامهم، بل رجعوا وانسحبوا كلهم جميعاً هم واحتياطهم وجيشهم النظامي وسلاحهم، معنى هذا ؟ {ِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: من الآية7) . ثم قضية القتلى،  النبي عليه الصلاة والسلام لما تكلم أبو سفيان بعد أحد، أمرهم أن يجيبوه : ((لا سواء، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون )) . هذا في غزوة أحد في الحديث . 

لماذا اليهودي لا يريد الموت، لأنه يعرف النار ومع ذلك كذبوا على الله : نحن أبناء الله وأحباؤه، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}  (البقرة:111) . والقلة والكثرة ليست مقياس للنصر،{  كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً } (البقرة: من الآية249). الصمود والثبات في حد ذاته تفويت مقصد الأعداء، فشلهم في تحقيق ما يريدون، هذا في حد ذاته نصر عظيم، النصر من عند الله، التثبيت من الله، الله له ملائكة تثبت، له جنود يرسلهم، الله في غزوة الأحزاب ماذا قال للمؤمنين : ِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا}(الأحزاب: من الآية9) . حتى قال بعض المسلمين : كنا نريد أن ندخل بين هؤلاء ونزرع بينهم أشياء لحصدهم، وهم يراقبوننا من الجو والأرض، فإذا بالضباب ينزل في أحد المناطق في موقعة من المواقع،  فدخلنا في الضباب فوضعنا ما نريد، فحُصد القوم ولم يروا أحداً .

إذا نظرت إلى الثبات أمام كل القتل الذي صار والمصائب لعلمت يقيناً معنى قول الله : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَه}(التغابن: من الآية11) . انظر أثر الإيمان بالقضاء القدر، كل هذه الجراح والقتلى والأيتام والأرامل وهؤلاء المرضى والفقراء والمشردين والذين خربت بيوتهم، وذهبت أموالهم وأملاكهم حتى أراضيهم الزراعية، قالوا : كان اليهود يرشون مواد على الدواب، فمات الحمام والدجاج والغنم والبقر، يسعون في الأرض فسادا، ما يتركون شيئاً إلا ويخربونه، هؤلاء الناس الذين ذهبت أموالهم اليوم وذهبت نفوس من عوائلهم وأسرهم، من الذي يثبتهم، من الذي يعيشهم ؟ لماذا لم ينتحر، لماذا لم يصبه انهيار عصبي، لماذا لم يفقد أحد منهم عقله،{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (التغابن: من الآية11) ، {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }(التغابن: من الآية11) . والإيمان بالله يعني : بأسمائه وصفاته وأنبيائه ورسله وكتبه واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وملائكته، تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى لو نزلت المصيبة لابد أن تصمد، ولا يذهب عقلك،ولا تطيش،ولا تنهار،ولا تجن،ولا تصاب بذبحة وجلطة، أنت مؤمن ابتلاك ربك ليرى صبرك، تثبت أم لا ؟ ترضى أم  تسخط ؟ {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (التغابن: من الآية11) . وأكثر من تسمع كلامه في هذه الأحداث من الصامدين الصابرين، عندهم رباطة جأش وأشياء عجيبة، يقول بعض الإخوان الذين ذهبوا وزاروا جرحى منهم هنا في المستشفيات، يقولون والله هو مبتور الأطراف أمامنا، لكن في  كلامه من الصبر ورباطة الجأش، وهو الآن يثبتنا، وهو الذي ذهبنا نعزيه ونسليه ونحفف عنه، والله إذا ابتلى يعين، الله رحيم، ما يجمع على العباد بلاء فقط بأنواعه، إذا ابتلاهم فيهم المقتلة وفيهم الجرح وفيهم الهدم، فإنه ينزل سكينة وتثبيتاً، ويفرغ عليهم صبرا، ويثبت أقدامهم، ولذلك فإن المقابل على الإيمان هذا يهدي قلبه،  {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }(التغابن: من الآية11) ، ولكن من الناس من قال أثناء المصيبة، لماذا فعل ربك ويعترض على الله في حكمته، الله عز وجل هو الذي يملك البشر، وهو الذي خلقهم وهو الذي رزقهم، وهو الذي يميتهم، وهو الذي يحييهم ثم إليه يرجعون، وهو يحاسبهم ويجازيهم – سبحانه وتعالى – عنده جنة ونار، هذا يا إخوان العزاء لمن ذهب ومضى وقتل، أن يُقال لأقاربه : ما عند الله خير لقتلاكم وموتاكم، أنتم عندكم حصار ورعب وخراب، ولا كهرباء ولا ماء ولا غذاء ولا دواء، الله عنده نعيم لا يفنى، عنده جنة عرضها السماوات والأرض، الله عز وجل عنده مفاتيح الرزق ، {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ} (96) سورة النحل، والآخرة خير من الأولى  أفلا تعقلون، ولذلك {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) . أنتم في حصار الآن، فإذا صدقوا مع الله فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون، ونحنا لا نجزم بالشهادة لأحد، ولكننا نرجو الشهادة لمن مات في سبيل الله وقتل، وإذا نظرت إلى المواقف والعبر والدروس والأشياء التي تراها من الغير وقصص فيها فائدة لنا، حاولت أم إسعاف طفلها وأخته، وقد هُدم البيت، فنقلوا إلى المستشفى، فماتت الأم أمام عيني الطفلين، فهل تراهما بكيا ؟ أبداً، نظر الطفل إلى أخته وقال : حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما أراد أن يحضن أخته قالت: الحمد لله نحن أحسن من غيرنا، هذه مصابة بابنها تقول : اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، كنت أدعو الله بالشهادة له، فرزقه الله واستجيبت دعوتي، يعني المواقف الخنسائية، مواقف العزة.

تقول عجوز : مات ولديّ، وورثت عنهما بندقية سأقاتل فيها أولمرت .

طبيب مغربي لما ذهب رجع محمّل بالمواقف المؤثرة، يقول : اذكر بينها حالة مصاب كان يبكي مردداً بأن جرحه خفيف وهذه قد يبرأ وتفوت عليه الشهادة بيد العدو، وهذا بترت ساقه يقول : كنت أريد الشهادة فسبقتني رجلي فقط .

حق لنا أن نفخر بهؤلاء من هذه الأمة من المسلمين، في هذا الزمن، زمن الفتنة وزمن الغربة وزمن الوحشة وزمن الانحرافات وزمن تسلط أهل الكفر على الناس وعلى المسلمين في العالم وعلى الأرض، ومع ذلك، فيه نماذج، معناها الأمة حية، هذه أمة ما ماتت، هذه أمة ما قُضي عليها، هذه أمة فيها خير، أمة فيها خير عظيم، هذه البقعة الصغيرة كان العرب يسمونها غزة هاشم، من زمان لأنه دفن بها جد النبي عليه الصلاة والسلام  لما كان في الجاهلية في إحدى رحلاته في بلاد الشام، مات هناك، فتحها عمرو بن العاص، خرج من الأفذاذ من غزة، منهم الإمام الشافعي – رحمه الله-  المولود بها سنة مائة وخمسين للهجرة.

 مليون ونصف على مساحة صغيرة فيها المساجد وأهل الصلاة ودروس العلم. في العام المنصرم كرّموا خمسة آلاف حافظ للقرآن. يقصف المسجد فيصلي المصلون على أنقاضه، ما عندهم شيء اسمه توقف لصلاة الجماعة، وصلاة الجماعة والجمعة تسقط عنهم في القصف، لا تجب عليهم، يقول الواحد منهم: أصلاً القصف حاصل على بيتي أو بيت الله فأذهب إلى بيت الله، أموت في بيت الله أحسن، وأناس تذهب إلى حلقات التحفيظ والقرآن؛ معنى ذلك أن الأمة مستعدة للتضحية، والأمة مستعدة أن تواجه العدو،  والأمة عندها إيمان وفيها دين، ومن يقول كل الناس هلكوا، وكلهم انحرفوا وكلهم ارتدوا، ليس بصحيح، (( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ))، وأنت ترى في الواقع جبن أعداء الله مهما ملكوا من الأسلحة والعتاد والحماية والتصفيحات ومركبات وطائرات، {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}(الحشر: من الآية14). ورغم كل هذه التحصينات قُتل منهم من قُتل، وحصل اقتحام حتى على آلياتهم، وحتى على الأماكن التي دخلوا فيها، وهؤلاء يظنون أن هذه الأشياء مانعتهم من الله، { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ }(الحشر: من الآية2). وإذا الواحد منهم صار يرتجف من الرعب، هل يضغط زراً أو يوجه شيئاً إلى هدف أو يستطيع أن يلتحم ويواصل ويجول ويقاتل ويبارز ويطارد، حتى ما استطاعوا أن يخرجوا عن دباباتهم لقضاء الحاجة، ولذلك شوهدت الحفاظات بمقاسات كبيرة بعدما ما ذهبوا، وجاءت إحصائياتهم وأخبارهم لما التقطت بعض اتصالاتهم عبر الأجهزة يبكون، ويطلبون الانسحاب ويريدون الرجوع مثل الأطفال، أين ظهر جبروتهم ؟ على المدنين العزّل، كانوا يطلقون عليهم النار ويقذفون عليهم معلبات غذائية فارغة يغيظونهم بها يقولون: عندنا طعام وليس عندكم شيء، هذا على من ؟ العزّل، لكن هل يستطيع هؤلاء أن يقوموا وجهاً لوجه، الأحداث أثبتت لا، وهذه المقذوفات التي جاءت على ضعفها ( و هي أنابيب فيها أشياء من البارود بالنسبة لما عندهم لا شيء) وتسببت في انهيارات عصبية، وحصل 14% زيادة حالة اكتئاب ، وتناول مهدئات زادت 50 %، تعطلت الدراسة في أماكن كثيرة لديهم، حتى الصناعة،سياحة ومرافق، تأتي الصور،وهم ينقلون على الكراسي إلى المستشفيات يرتجفون، الرجفة هذه ما هي ؟ يقولون : انهيارات عصبية، هذه الرعب الذي ذكره الله،{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } (آل عمران: من الآية151) . نُصرتم بالرعب، والله – سبحانه وتعالى – صدق في كتابه، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}(البقرة: من الآية96). ثم الانهيارات المعنوية التي حصلت، استعملوا الأساطير واستعملوا النصوص، حتى أتوا بنصوص من التوراة المحرفة تبيح لمقاتليهم إزهاق أرواح الأطفال والنساء والدواب، "وإذا دخلتم بلداً فاقضوا على نسائهم وأطفالهم ودوابهم ". يقول أحد أبرز حاخامتهم : إن امرأة حسناء ظهرت أمام جنود اليهود في غزة تساعدهم في الحرب وتحذرهم من الكمائن وترشدهم إلى أماكن المقاتلين، "يديعوت أحرنوت" يقول : أهم الحاخامات الشرقيين "عفاد يوسف" يقول : أن الأم راحيل والدة يوسف عليه السلام جاءت لمساعدة جنود اليهود في غزة، "مردخاي إلياهو" الحاخام الأكبر الشرقي يقول : أنه  صلى عدة مرات على قبر راحيل داعياً إياها لحماية الجنود، ولما سُأل عن شائعة أن راحيل كانت في غزة تعاون جنود اليهود، قال : نعم أنا أرسلتها، هذا كلام يا إخوان منشور موثق في مواقع إخباريه وصحف .

الأمة أصابها ضعف، وأصابها من تسلط الأعداء ما أصابها، وتريد نصراً وتريد خبراً مفرحاً، فالله يريها أشياء ولو مصغرة، نحن لا نقول أنهم انتصروا وأخذوا اليهود قتلاً ذريعاً وسبوا نسائهم وأطفالهم وغنموا أموالهم وأرضهم، لا لم يحصل، لكن هذا الثبات بحد ذاته، هذا النصر المصغر، هذا تمهيد لما بعده، لأنهم يخشون أن يكون الثبات في غزة تمهيد لتحرير بقية فلسطين، يخشون من ذلك، وعندما يكون الدين مستقراً في النفوس، والولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الشرك والكفر والكافرين، تكون الأمة متهيئة للغلبة، وعندما يكون في قلوب المؤمنين الثقة بالله، والاستمداد منه عز وجل، سيكون عندها قوة تواجه وتصمد أمامها، والله عز وجل  بين لنا في كتابه {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}(لأنفال: من الآية36). راح 40% من مخزون الأسلحة عند اليهود نتيجة الحرب، ما أنفقوه على مدى 40 سنة من ا لحملات الإعلانية التجميلية لصورتهم فقدوه في 22 يوم، 28 يوم مليون دولار كانت تكلفهم  يومياً، ستزيد العجز في موازنة 2009 لديهم إلى ما يقارب 9 مليارات دولار  (35 مليار شيكل )، وهكذا هذه الخسائر فعلاً ينفقون أموالهم وأنفقوا رواتب وأسلحة وأثمان أشياء وإعلام وخدمات لوجستية، والنتيجة في النهاية ؟ هل نالوا خيراً ؟ لا، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً}(الأحزاب: من الآية25).

لكن عملوا شرا ً ؟ نعم عملوا قتلاً وجرحاً وتخريباً وتشريداً وإجرام في الأرض وإفساداً، وهذا اعترافهم :

نتنياهو : أهداف العملية لم تكتمل بعد .

لواء النخبة : يعترف ببسالة المجاهدين المسلمين .

سلفان شالوم : لم نحقق شيء من أهداف العملية .

تساءل بعضهم : هل هذا نصر ؟ وإذا كنا ذهبنا إلى أسيرنا فلم نحرره، وإذا كنا ذهبنا إلى وقف الصواريخ فلم تقف، وإذا كنا ذهبنا للقضاء على المسلمين فلم يحدث، وإذا كنا ذهبنا لتغيير الأوضاع فلم تتغير، وإذا كنا ذهبنا لكسب تعاطف عالمي قد انقلب الرأي العام العالمي علينا، وإذا كان ذهبنا لنستعيد ثقة جنودنا  فقد أرجعناهم وعندهم ما عندهم من الآفات، وإذا كنا نريد أن نثبت أننا قوة ردع فقد تجرئ علينا المسلمون وألبّناهم في أقطار الأرض علينا، وقد رأينا تأييد المسلمين  في العالم من طنجة إلى جاكرتا، وحتى في بلاد غير المسلمين عجب عجاب لم يسبق في حرب معاصرة صار فيها مثل هذه الحركة، ألم يكن حتى نسائنا يصلين الليل وقت الاجتياح البري في تلك الليلة، يدعين الله عز وجل ، القنوت في المساجد،المساعدات التي خرجت الآن والناس يريدون أن يتبرعوا لإخوانهم في غزة، هذه الأشياء أليست تدل على أن الترابط والتلاحم بين الأمة والمحبة بعضهم ببعض ؟،  إن كان يجوز لنا إن نشكر اليهود على شيء فسنشكرهم على إيقاظنا من غفلتنا، وقيامنا من سباتنا، والأمة في غيبوبة ما تستيقظ إلا بالصدمات، فحماقاتهم صدمات كبيرة لنا، وقضية تحريك المسلمين، وفتح مجال الخير لهم، أكثر المسلمين تحركوا، هذا ليس ظاهره التدين ومع ذلك فهو يدعو ويرجو ومستعد أن ينصر بأي شيء، وفي الإنترنت وفي الكتابات ونشر الصور، بأي طريقة يريدون الدفاع عن المسلمين، لو بقيت أحوال المسلمين على ما هي عليه لفسدوا، { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } (البقرة: من الآية251).

هذا التدافع سنة آلهية، لو بقي المسلمون في ترفهم، أكل وشرب وملاهي وجوالات وسيارات وسياحات وأسفار وألعاب وترفيه، لكن لما يروا الآن مثل هذه الأجرام ومثل هذه المواجهة، يحس الواحد بالمسجد الأقصى هذا المكان الذي له قدسيته، هذا مسرى الأنبياء صلوا فيه جميعاً بإمامة محمد – صلى الله عليه وسلم – ، وهؤلاء إخواننا يضطهدون، لا بد المسلم أن يقوم دعاءً وصدقة وقنوتاً ونصرة، لو كتب مقال حتى لغير المسلمين يناقشهم ويبين لهم ظلم هؤلاء، ويضع المقاطع التي تبين الحقائق؛ لأن أكثر هذه الوكالات الإعلامية العالمية يهودية، وصار في من المسلمين حركة على الشبكة والقنوات بينّت المظالم وبينّت حقيقة هؤلاء، ونحن نعلم أن النصر والهزيمة هي بيد الله، {ُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: من الآية140). وأنه ابتلاء من الله عز وجل، لكن العاقبة في النهاية ستكون للمتقين، والله ينصر من ينصره، والله عز وجل صادق الوعد، وهو – سبحانه وتعالى –  يهلك القرى إذا ظلمت، ويمهل الظالمين ثم يأخذهم، {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} (لنجم:50)، {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} (لنجم:51)، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ}(الذريات: من الآية46).

 وفرعون أهلكه الله وأغرقه، هو وجنوده وقوته وسلاحه كله، وهكذا الله عز وجل أفقر أناساً ودمرهم، وأرسل عليهم الطواعين وقتلهم، وزلزل بأناس قراهم فأبادها، وأرسل على ناس الجراد والقُمّل والضفادع والدم آيات بينات ، هو – سبحانه وتعالى – يرسل من عذابه  الصيحة والريح والملائكة التي تزلزل، { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً }(هود: من الآية82).  الله عز وجل  أهلك أناساً كثيرين وأمم كثيرة مما سبق، وهو يفقر، يضربهم بأزمة مالية عالمية تجعلهم في حيص بيص، حائرين،ماذا يفعلون ؟

الله عز وجل له في عباده انتقام، وهو عز وجل قوي شديد المحال، وأخذه إذا أخذ أليم شديد .

 وكذلك فإنا نرى أيها الأخوة من العبر العظيمة، العزة بالدين، وأن الذي يرتمي في أحضان الكافرين {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} (النساء:139) . وكذلك رأينا كيف الطاقات التي خدمت وعملت للدين، حتى بعض الشباب لا دعاة ولا طلبة العلم  ولا هم من المعروفين بالعبادة والتدين، بريد إلكتروني وعملوا فيه، والمدونات ودخلوها، وتضامن ونقل للأخبار، وتطورات المواقع، وتحولت الشبكة إلى ميدان، فيه مجموعات تناصر هؤلاء المسلمين، تدعوا للتبرع بالدم لهم، وبالمال والدعاء، ولا تنسوا القنوت ورسائل الجوال، فصارت هذه الشبكة مثل الجدران الافتراضية تعلق عليها صور المآسي، حتى إذا دخل أناس من غير المسلمين يرون الأطفال كيف الشظايا اخترقت أجسادهم، وكيف هؤلاء الذين يقولون : ما استخدمنا أشياء محرمة، المحرمة عند الله، هذا حرام عند الله بجميع صوره، يعني فقط الفسفوري محرم، ولذلك عجّ العالم بجهود كثيرة لنصرة الإسلام، وقام هؤلاء باختراق هذه المواقع اليهودية، وأرسلوا لهم الرسائل، وكان من المسلمين من يتصل بإخوانه في غزة، ويثبتهم، بل بعضهم اتصل ليثبتهم فإذا هم الذين يثبتونه .

وكذلك فقد وجد من المسلمين من أهل العقول الذين استفادوا حتى من فكرة الخندق والأرض، وكيف أن هذه الأرض البرّة بالمخلوقين الذين هم عليها تؤويهم وتحويهم وتحميهم في خنادقها وأنفاقها، كيف الله سبحانه وتعالى جعل فيها خواص وخاصيات أنها تعين أهلها ولعلها تشهد لهم  يوم القيامة من خيرات ونصرة الله ورسوله، ولنعلم بأن العلاج من ترف الأولاد والدلع والميوعة، أن يأخذوا العبرة الآن من أطفال غزة، هؤلاء الصغار، هذا الطفل في الخامسة يرى بيته المحترق ووالده ينزف أمامه، ويقتلون صاحبه ويغتالون الزرع والحجر والشجر، ولذلك نحن  أمام جيل مختلف، فهذا الجيل الذي نشأ في هذه الظروف الشديدة، وتحت هذا القصف وتحت هذه الشدة، ليس جيل يعيش حياة ترف وميوعة، ولذلك اليهود حفروا قبورهم بأيديهم، وساهموا بهذا العدوان في إنشاء جيل الانتقام، الذي سيقضي عليهم بمشيئة الله تعالى.

هنالك تظهر حقيقة المعركة وأنها عقيدة ودين في الإسلام، والذين كانوا يقولون القدس عربية وستبقى عربية، القدس إسلامية، والمعركة إسلامية، وبيننا وبين اليهود قتال من أجل الدين، ومعروف ماذا هو حالهم، خمسة أيام في عام 1967م، احتلوا من أراضي العرب مثل مساحة فلسطين، ووقفت زعيمتهم في إيلات تقول : إني أشم رائحة أجدادي في خيبر .

يعني هم تطلعهم ونظرهم يمدونه إلى بقية بلاد المسلمين، والقضية انتقام ليهود خيبر، يقولون : يا لثارات خيبر، ولكن المسلمين يردون عليهم بخيبر خبير يا يهود، وجيش المسلمين سوف يعود، وكذلك فإن القوم ما عندهم رحمة، قال الله : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }(البقرة: من الآية74) . هذا عندهم فتوى مردخاي إلياهو : لا مشكلة في القضاء على الفلسطينيين في القطاع ولو قتل منهم مليون. الفتاوى الدينية عندهم تدعوا إلى قتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وقصف البيوت والمساجد، وكانوا يظهرون أمام دبابتهم يقرؤون في توراتهم ، يعني هذا من العبث في عبادات اليهود.

هؤلاء لما قامت مذيعة عندهم متأثرة في القناة اليهودية الثانية وتبكي لما مرت قصة الأطفال، أربع وثلاثين ألف شخص وقّعوا عريضة لفصلها والتنديد بها، فرحمة ما فيه، ولو وجد عندهم واحد فيه  رحمة  من دون قصد أو بشيء مفاجئ أدركته رحمة، فهو عندهم لا بد أن يعاقب ويطرد ويحاسب، لماذا يبكي لما مرت صور أطفال المسلمين، والله لما قال {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ }(البقرة: من الآية61) .  حتى صار العالم يكرههم. لاعب في مباراة على قميصه وهو غير مسلم، متضامن مع ما أصاب المسلمين في غزة، مغني أمريكي اسمه مايكل هارت يطلق أغنية بعنوان  لن ننهزم الليلة في غزة، ومن كلماتها : حتى لو قصفتم مدارسنا، فلن نركع هذه الليلة يا غزة، وهذا كافر ومغني ومع ذلك ينتقدهم ويشتمهم ، وحصل من أنواع الفضيحة لهم في العالم شيء عجيب جداً، ولذلك كم أنفقوا لتحسين صورتهم في العالم، وراحت هباءً منثورا.

ونرى أيضاً أيها الأخوة من العبر في هذه الأحداث أهمية الفقه والعلم، فمثلاً نشأت هذه النازلة، فهنالك قنوت من أجلها، فما أحكامه، وما وقته، وما محله، وأين ألفاظه، وتحت القصف ما حكم صلاة الجمعة ؟ ما حكم صلاة الجماعة ؟ ما حكم الخائف على نفسه وأهله وماله، قضية جواز الجمع بدون قصر، صلاة الخوف في الحضر، أربع ركعات أقل ما تكون ثلاثة، إمامهم مع واحد يصلي معه ركعتين والثالث يحرس، ثم يذهب الثاني المأموم الأول يحرس والثاني يأتي يصلي ركعتين، فلما يسلم الإمام يأتي بعده بثنتين تصير أربعا ثم يأتي الأول فيتم أربعاً، فيكون كل منهم قد صلى أربعاً، وكل من المأمومين قد صلى مع الإمام ركعتين فأدرك فضل الجماعة، هذا وهم يحرسون ثغورهم والطرقات التي يمكن أن يدخل منها العدو، فإذا التحموا واشتبكوا، قال العلماء : يصلي إيماء،وصلاة الطالب والمطلوب الذي يطلب العدو أو يطلبه العدو، وكذلك في حال هذا الالتحام يصلي قائماً وقاعداً منبطحاً على جنب مستلقياً  يؤمي إيماء في غير القبلة.. الصلاة لا تترك، وأيضاً امرأة قتل زوجها، أين تعتد ؟ ما فيه بيت ؟ إذا وُجد بيت لكن غير آمن ؟ أين تعتد..

 أحكام تنشأ بفعل النوازل، فيتبين مثلاً للمسلمين هذه الأحكام، الهدنة مثلاً مع الكفار المحاربين، كم تكون والحد الأعلى لها، أحياناً من الأحكام حتى في الملابس، الآن بعض النساء قد اعتمرن الكوفية الفلسطينية  كما يقولون، وهذه من لباس الرجال فلا يجوز للنساء لبسها، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ )).

فيه أحكام  متعلقة حتى بقضية التسميات، فمثلاً إسرائيل هو اسم النبي عليه السلام هذا النبي الكريم يعقوب عليه السلام ابن إسحاق بن إبراهيم، سماه الله تعالى في كتابه إسرائيل، وهو مسلم موحد، لذلك فإن إطلاق الإسرائيليين عليهم في الحقيقة غير صحيح، لأن الله في القرآن سماهم يهود، فيجب البقاء على هذه التسمية، وعدم تسميتهم بإسرائيليين لأنه إسرائيل هو النبي الكريم يعقوب عليه السلام، ينتسبون إليه ظلماً وزوراً، وهو منهم بريء .

النازلة هذه صار فيها من الحركة والبركة واليقظة والمعاونة والنصرة والأدعية وزيادة الإيمان والعمل للإسلام والهداية والتأثر، وأنواع الفقه والمسائل، لو تفكرت في فوائدها وثمارها وإيجابيتها، لعلمت فعلاً أن ليس في أفعال الله شر محض، فعلاً تتأمل فيها كل هؤلاء القتلى والجرحى والمصائب، لكن المصائب نتج عنها من أشياء إيجابية، من أمور في منفعة المسلمين لا يعلم بها إلا الله، والذي يتأمل فيها يجد فيها منفعة، بالرغم من كل الآم والجراح وكل الخسائر، لكن {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء، { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216).  ولذلك ليس في أفعال الله شر محض، لا بد أن يكون فيها خير بوجه من الوجوه، علمناه أو لم نعلمه،{ِللَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ }(الروم: من الآية4). {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(البقرة: من الآية253). فلله الحكمة البالغة، – سبحانه وتعالى –  يقلب الليل والنهار، الله عز وجل يعز من يشاء ويذل من يشاء وينصر من يشاء  ويخذل من يشاء، بيده الخير، بيده ملكوت السماوات والأرض، لا يخرج أحد عن حكمه، ولا يقوى أحد على مواجهته، وهو سبحانه وتعالى منيع الجناب، عزيز لا يضام، ولا يمكن أن يغلبه أحد، وهو يغلب كل أحد، سبحانه وتعالى، من الذي يقوى عليه، من الذي يستطيع أن يقوم له، ولذلك فأننا نسأل الله بأسمائه وصفاته الحسنى، ونسأله بحوله وقوته أن ينصر الإسلام وأهله، ونسأله عز وجل وهو على كل شيء قدير أن يعجل فرج هذه الأمة، ونسأله – سبحانه وتعالى – وهو الجبار أن ينتقم من هؤلاء اليهود وأن يذلهم، وأن يجعل بأسهم بينهم، وأن يفرق شمل أعداء الدين ويشتته، وأن يجعل عليهم تدبيرهم تدميرا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وأن يكفينا شر من أردانا بشّر، وأن يعز دينه، وأن ينصر سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ، وأن ينصر بنا دينه، وأن يوفقنا لخدمة دينه، إنه سميع مجيب .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.