متى يقوم الناس للصلاة؟

متى يقوم الناس للصلاة

متى يقوم الناس للصلاة؟

 

الحمد لله الذي جعل الصلاة قرة عين لأهل الإيمان، وجعلها لهم راحة واطمئناناً، والصلاة والسلام على البشير العدنان، خير من قرأ في الصلاة القرآن، وعلى آله ومن اتبع سبيله بإحسان، أما بعد:

فإن الدخول في الصلاة والقيام لها مما تتهيأ له قلوب أهل الإيمان، فتراهم مشتاقين للقاء ربهم، حريصين على الوقوف بين يديه رجاء أن تعمهم رحمته، أو تغشاهم مغفرته، وقد كان للعلماء كلام في الوقت الذي يقوم فيه الناس للصلاة، وكل ذلك من أجل أهمية هذه الفريضة العظيمة، فإن الناس يختلفون في مسألة وقت الاصطفاف والقيام للصلاة، فمنهم من يقوم عند إقامة الصلاة، ومنهم من يقوم عند دخول الإمام، ومنهم من يقوم عند حلول وقت الإقامة المحدد لها.

والقول أن الإمام إذا لم يدخل إلى المسجد بعد؛ فإن للمأمومين ألا يقوموا حتى يروا الإمام فعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))1، جاء في عمدة القاري: "قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يروه؛ لئلا يطول عليهم القيام؛ لأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه"2، وأما إذا كان الإمام قد دخل المسجد ولم تقم الصلاة بعد؛ فالمسألة فيها أقوال وفيها سعة، ولا نضيق على الناس فيها، فقد نقل ابن حجر – رحمه الله – كلاماً للإمام مالك – رحمه الله – يؤيد ذلك: "وقال مالك – في الموطأ -: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود؛ إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس؛ فإن منهم الثقيل والخفيف"3، قال ابن عبد البر معلقاً على كلام الإمام مالك – رحمه الله -: "وهذه مسألة قديمة لكبار التابعين، ومن تلاهم من فقهاء المسلمين"4، ثم أخذ ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – يذكر أقوالاً وأفعالاً وردت عن بعض السلف والعلماء من أهل المذاهب وغيرهم فقال: "وقد ذكرنا في التمهيد بالأسانيد عن عمرو بن مهاجر قال: رأيت عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن كعب القرظي، وسالم بن عبد الله، وأبا قلابة، وعراك بن مالك الغفاري، ومحمد بن مسلم الزهري، وسليمان بن حبيب؛ يقومون إلى الصلاة في أول بدء الإقامة"، وقال: "وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول: إذا سمعت النداء بالإقامة فكن أول من أجاب"، وقال: "إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة؛ عدل الصفوف بيده عن يمينه ويساره، فإذا فرغ المؤذن كبر، وعن عمر بن عجلان قال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصره يقول حين يقول المؤذن: قد قامت الصلاة قوموا قد قامت الصلاة".

وعن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: "سمعت الزهري يقول: ما كان المؤذن يقول: قد قامت الصلاة؛ حتى تعتدل الصفوف"، وعن ابن المبارك عن أبي يعلى قال: "رأيت أنس بن مالك؛ إذا قيل: قد قامت الصلاة؛ قام فوثب"، وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن: قد قامت الصلاة، وقال فرقد السبخي للحسن: أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول: قد قامت الصلاة؟ فقال الحسن: أي ذلك شئت.

وروى كلثوم بن زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر؛ وجب القيام، فإذا قال: حي على الصلاة؛ اعتدلت الصفوف، فإذا قال: لا إله إلا الله؛ كبر الإمام.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد؛ فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام؛ وهو قول الشافعي وداود، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كان الإمام معهم في المسجد؛ فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن: حي على الفلاح.

وقال الشافعي وأصحابه، وداود البدار – في القيام إلى الصلاة – أولى في أخذ المؤذن في الإقامة؛ لأنه بدار إلى فعل بر؛ وليس في شيء من ذلك شيء محدود عندهم؛ وحجتهم حديث أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبي – عليه الصلاة والسلام – أنه قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني))5، وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد"6..انتهى.

نهاية القول أن الإمام إذا لم يكن في المسجد؛ فلا يقام إلا عند رؤيته، أو عند شروع المؤذن بألفاظ الإقامة، أما إذا كان الإمام في المسجد؛ فيقام عند شروع المؤذن بالإقامة، ولا يضر أقام الناس في أول الإقامة، أم وسطها، أم آخرها، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:

"س2: نلاحظ في كثير من المساجد وخاصة في الدروس الجامعة، أو صلاة الجمعة؛ أنه تقام الصفوف للصلاة قبل ترديد المؤذن صيغة الإقامة، فهل هذه بدعة؟

ج2: يسن للمأمومين القيام للصلاة عند رؤية الإمام إذا كان غائباً لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني))7، أما إن كان الإمام حاضراً في المسجد؛ فإن المأموم يقوم إلى الصلاة إذا شرع المؤذن في الإقامة، ولا حرج عليه أن يكون قيامه عند أول الإقامة، أو في أثنائها، أو في آخرها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"8 انتهى.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 البخاري (601)، ومسلم (949).

2 عمدة القاري (5/154).

3 فتح الباري (2/120).

4 الاستذكار (1/391).

5 البخاري (601)، ومسلم (949).

6 الاستذكار (1/391-392).

7 سبق تخريجه.

8 اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السؤال الثاني من الفتوى رقم (18097).