صيام الست من شوال

صيام الست من شهر شوال: أجور عظيمة فأين الهمم؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .. أما بعد: 

فإن شهر شوال من الأشهر التي يستحب فيها القيام بعبادة عظيمة ربما يغفل عنها كثير من الناس، تلكم العبادة هي صيام الست من شوال، والتي أخبر النبي  عن عظيم أجرها؛ كما في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري  أن رسول الله  قال: من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر1 ففي هذا الحديث الحث على صيام ست من شهر شوال، وأن من أتبع رمضان بها كتب له أجر من صام الدهر إذا فعل ذلك كل عام، وما دام أن النبي  قد بيَّن عظيم أجر صيامها فما بال الكثير من المسلمين يتخلى عن صيامها! مع أننا جميعاً محتاجون إلى رحمة الله، وإلى حسنة تخلصنا من هموم الدنيا، وأهوال القيامة!

وهنا قد يقف المرء متسائلاً: كيف يعدل صيام الست من شوال صوم الدهر؟

الأصل في مثل هذه الأجور التي ذكرت في الأحاديث أن علمها عند الله – تعالى -، ولكن العلماء عللوا ذلك بما يمكن أن يستأنس به، فمن ذلك ما قاله ابن رجب في “لطائف المعارف”2: “وإنما كان صيام رمضان واتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وقد جاء ذلك مفسراً من حديث ثوبان  عن النبي  قال: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة، يعني رمضان وستة أيام من شوال بعده3 خرجه الإمام أحمد والنسائي وهذا لفظه وابن حبان في صحيحه وصححه أبو حاتم الرازي، وقال الإمام أحمد: ليس في حديث الرازي أصح منه، وتوقف فيه في رواية أخرى.

أخي رعاك الله:

اعلم أن في معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، منها:

1- أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.

2- ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي  من وجوه متعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره، ويكمله من الأعمال .. و كان عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – يقول: “من لم يجد ما يتصدق به فليصم” يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر، فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل: كفارات القتل، والوطء في رمضان، والظهار.

3- ومنها:أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله  إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: “ثواب الحسنة الحسنة بعدها”، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة، وعدم قبولها.

4- ومنها:أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب.

5- أن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، وقد كان النبي يقوم حتى تتورم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبدا شكوراً4، و قد أمر الله  عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة البقرة:185)، فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه؛ أن يصوم له شكراً عقب ذلك، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائماً، و يجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام، وكان وهب بن الورد يُسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه؟ فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق، والإعانة عليه؟

إذا أنت لم تزدد على كل نعمة لموليكها شكراً فلست بشاكر

على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً، فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر كما قيل:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليَّ له في مثلها يجـب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر

فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً، فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود، وباب الرحمة في وجهه مسدود، قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله؛ دخل الجنة بغير مسألة، ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود.

6- ومنها: أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً.. وذلك لأن كثيراً من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام، وملله، وطوله عليه، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعاً، فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل عوده على رغبته في الصيام، وأنه لم يمله، ولم يستثقله، ولا تكرَّه به.. والعائد إلى الصيام سريعاً بعد فراغ صيامه شبيه بقارئ القرآن إذا فرغ من قراءته ثم عاد في المعنى، والله أعلم، وقيل لبِشْر: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقال: “بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان! إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها”، وسئل الشبلي: أيما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: “كن ربانياً ولا تكن شعبانياً”، كان النبي عمله ديمة، وسئلت عائشة – رضي الله عنها -: هل كان يخص يوماً من الأيام؟! فقالت: (لا، كان عمله ديمة) متفق عليه5.

فهذه فضائل الصوم بعد شهر رمضان، وذلك أجر صيام الست من شوال.

نسأل الله الإعانة على صيامها، ونسأله أن يتقبلها منا، وأن يكتب لنا الأجر الجزيل على ذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.


1مسلم في صحيحه برقم (1164).

2 ص244.

3 وقد أخرجه ابن ماجه أيضاً وقال الأعظمي: (إسناده صحيح) صحيح ابن ماجه (2115).

4 رواه البخاري ومسلم.

5 انظر لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله -تعالى- ص244. بتصرف يناسب المقام، وحذف لبعض الأحاديث والآثار الضعيفة.