الزواج عبر الإنترنت

الزواج عبر الإنترنت

الزواج عبر الإنترنت

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فقد شرع الله الزواج، ورغب فيه، وحث عليه؛ لما فيه من المصالح الدينية والدنيوية، ولما فيه من حفظ الأعراض، وصون الأنساب من أن تختلط، وطلباً للنسل، والذرية الصالحة، ولاستمرار الخلافة في الأرض.

لذا فإنا نجد أن الشرع الحنيف قد ضبط هذه القضية، ووضع لها شروطاً، وحرَّم أموراً؛ كي ينجح هذا العقد، ويكون على وفق ما شرعه الله – عز وجل -، ونجد الشارع الحكيم قد امتن علينا في كتابه فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}1، ومعنى الآية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يَكُنَّ لكم أزواجاً {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} كما قال – تعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}2 يعني بذلك: حواء، خلقها الله من آدم من ضِلَعه الأقصر الأيسر، ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان؛ لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نَفْرَة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة: وهي المحبة، ورحمة: وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمته بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}3، بل إننا نجد أن الشرع الحنيف بعد هذا الامتنان قد أمر بالزواج، وحث عليه؛ جاء ذلك صريحاً في ما ورد عن عبد اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه – قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – شَبَاباً لَا نَجِدُ شَيْئاً، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))4، بل نجد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد رَدَّ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، فقال الصحابة: "وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا"5.

بل حث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – على الزواج، ورغب فيه، ووضع الشارع الحكيم شروطاً وضوابط لهذا الزواج حتى يكون صحيحاً، وعلى الوجه المطلوب شرعاً، وهذه الشروط أربعة هي:

1- تعيين الزوجين.

2- رضا الزوجين، فلا يجوز إكراه أحدهما على الآخر، وتستأذن البكر والثيب، والإذن "صمات البكر، ونطق الثيب".

3- الولي، ويشترط أن يكون ذكراً حراً، بالغاً عاقلاً، رشيداً عدلاً، ويشترط الاتفاق في الدين، وأبو المرأة أحق بتزويجها.

4- الشهادة، فلا يصح النكاح إلا بشاهدين عدلين، ذكرين مكلفين.6

هذه هي الشروط المعتبرة شرعاً لصحة الزواج، وبفقدها أو أحدها يعتبر العقد باطلاً، وكما قرره فقهاؤنا – رحمهم الله – فلا يعتد بتغير الزمان، والمكان؛ لأن هذه القواعد ثابتة لا يغيرها زمان ولا مكان، حيث أن بعضاً من أبناء المسلمين يتعجل في الزواج، ويبحث عن وسائل سريعة لإيجاد شريك حياته، واليوم ومع التقدم العلمي والتكنولوجي؛ ظهرت في المجتمع الإسلامي طرق جديدة في اختيار الزوج أو الزوجة من أهم هذه الطرق هي ما يسمى بالزواج عبر الإنترنت، ويسأل سائل: ما حكم هذا الزواج الحاصل عبر الإنترنت؟ وهل يعتبر زواجاً شرعياً صحيحاً؟

وللإجابة على هذا السؤال نقول: الزواج لا بد فيه من وجود الولي الشرعي للزوجة، والزوج، والشاهدين، ولا بد من موافقة الزوجة، ولا بد من دفع المهر، وهذا هو النكاح الشرعي الذي توفرت فيه الشروط الشرعية.

أما الزواج عبر الإنترنت فإنه وقبل الحديث عن حكمه نذكر بعضاً من المخاطر المنبثقة من هذا الموضوع، فمن مخاطره:

– أن فيه عرض لصور النساء، وفي بعض هذه المواقع وصف دقيق للمرأة كأنه يراها، وقد نهى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – عن هذا الوصف الدقيق فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: ((لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا))7، وأن فيها غرر، وثبت في كثير من الإحصائيات أن الزواج بهذه الطريقة مصيره الفشل، وهو في الوقت نفسه مخالف للطريقة الشرعية، وهذه واحدة من المخاطر التي نستشفها من خلال إلقاء النظرة الأولى لهذا الموضوع، وقد سئل الشيخ عبد الكريم عبدا لله الخضير عن هذا الموضوع فأجاب: "الاتصال بالرجال الأجانب عن طريق الإنترنت سبب للانحلال الخلقي، فخير للمرأة أن لا تعرف، ولا تخاطب الرجال الأجانب إلا في حال الضرورة مثل العلاج ونحوه، أو استفتاء لعالم موثوق به، وما شابه ذلك من الحاجات المشروعة، والتحادث بين الشباب والفتيات عن طريق الإنترنت بوابة للشر، واستدراج من الشيطان كما وقع في حبائل ذلك كثير من العفائف بعد أن زال عنهن جلباب الحياء (وهو الذي يجب أن يكون شعار المرأة المسلمة في كل زمان ومكان)، أما إن كان القصد من السؤال أنه من أجل أن تُعْرَف، ويتاح لها فرصة للتزوج ممن يعرفها من خلال هذه الآلات؛ فالله سبحانه قدَّر لها رزقها في الزواج قبل أن يخلقها، والله سبحانه قادر أن ييسر أمرها إذا علم صدق نيتها بترك ما حرم عليها، فاتقي الله واصبري، يقول الله – عز وجل -: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}8، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والله المستعان.9

ومن خلال هذا الكلام فإن الواجب على الشباب والفتيات أن يعلموا أن الله – عز وجل – قد كتب لهم أرزاقهم قبل خلقهم، وليس عليهم إلا التوكل على الله، والصبر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، والله أعلم، نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سبلنا، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


 


1 سورة الروم (21).

2 سورة الأعراف (189).

3 تفسير ابن كثير (6/309).

4 البخاري (4678)، ومسلم (2486).

5 البخاري (4685)، ومسلم (2488).

6 رسالة في الفقه الميسر (1/107).

7 البخاري (4839).

8 سورة الطلاق (2-3).