الأذان والإقامة في مسجد سبقت فيه الجماعة

الأذان والإقامة في مسجد سبقت فيه

الأذان والإقامة في مسجد سبقت فيه الجماعة

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد، وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، ذلك الفضل من الله وكفى بالله وكيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، فصلوات الله وسلامه عليه، تركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك، أما بعد:

فكثيراً ما يتساءل الناس عن مسألة هامة في باب العبادات لاسيما وهي كثيرة الحدوث في مساجد المسلمين وصورتها:

إذا أقيمت جماعة في مسجد بأذان وإقامة – كما هو مشروع -، ثم حضر قوم لم يصلوا، وأرادوا أن يصلوا جماعة، فهل يشرع لهم الأذان والإقامة، أم لا يشرع، وما أقوال أهل العلم في المسألة؟

والجواب: أنه قد اختلفت أقوال المذاهب في المسألة على النحو التالي:

أولاً الحنفية: المتأمل والمتضلع في فقه الأحناف يلحظ أن لهم تفصيل في المسألة، وهو أنهم قالوا: إن كان المسجد له أهل معلوم، وصلى فيه أهله بأذان وإقامة، لا يكره أن يعيدوا الأذان والإقامة، وإن صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة، فإذا كان المسجد ليس له أهل معلوم كأن يكون على الطريق فلا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه1.

ثانياً المالكية: يكره عندهم في مثل هذه الحالة تكرار الأذان دون الإقامة2.

ثالثاً الشافعية: يسن لهم الأذان والإقامة على الصحيح من المذهب، لكن الأولى أن لايرفع الصوت لخوف اللبس سواء كان المسجد مطروقاً أو غير مطروق، والوجه الثاني أنه لا يسن الأذان3.

رابعاً الحنابلة: يستوي الأمر، فإن شاءوا أذنوا وأقاموا، وإن شاءوا صلوا بغير أذان ولا إقامة، فإن أذنوا فالمستحب أن يخفي الصوت ولا يجهر به ليغر الناس بالأذان في غير محله4.

أدلة من قال بالجواز أو السنية:

أولاً من الآثار: ما روي أن أنساً – رضي الله عنه – دخل المسجد وقد صلوا، فأمر رجلاً فأذن وأقام، فصلى بهم جماعة5.

ثانياً من المعقول: أن الدعوة الأولى تمت بالإجابة الأولى6، فاستحب النداء ثانية.

أدلة من قال بالمنع:

أولاً من الآثار: ما روي أن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة، وقال: "يجزئنا أذان الحي وإقامتهم"7.

ثانياً من المعقول: أن أذان وإقامة الجماعة الأولى في المسجد تجزيء عمن جاء بعدهم8 لأن كل واحد من الجمع مدعو للأذان الأول مجيب9.

الترجيح:

الراجح – والله أعلم – هو القول بسنية الأذان والإقامة للجماعة الثانية، ولكن يلاحظ عدم رفع الصوت إذا خيف اللبس، وذلك لوجاهة ما استدلوا به؛ ولأن الأذان والإقامة فيهما ذكر الله، وفضل عظيم، فلا يمنع من ذكر الله، وما ورد عن ابن مسعود فهو لبيان الجواز، والله أعلم.

ذكر الترجيح هذا الشيخ سامي بن فراج الحازمي في رسالته العلمية الموسومة بـ"أحكام الأذان والنداء والإقامة" ص 345، وقدم له فضيلة الشيخ/ سعود بن إبراهيم الشريم، والترجيح مبني على قوة الدليل المنقول والمعقول، أما المنقول فلأنه في البخاري وغيره في المصنف، وأيضاً لم ينكر أحد على أنس – رضي الله عنه -، فكأنه إقرار من الصحابة يشبه الإجماع السكوتي على هذا الفعل، وأيضاً فعل ابن مسعود ليس فيه دليل على بطلان فعل أنس، وإنما عمل هذا ليبين أن الأمر فيه سعة، وأن هذا جائز، وذاك جائز، ولكن الأذان والإقامة أفضل لما ذكرنا.

اللهم ارزقنا العلم والعمل، وثبتنا على الدين حتى نلقاك، والحمد لله أولاً وآخراً.


 


1 المبسوط (ج1 ص 135) بدائع الصنائع (ج1 ص 153).

2 المدونة (ج1ص182)، والخرشي على مختصر خليل (ج1 ص234).

3 المجموع (ج3 ص93).

4 المغني (ج2 ص79-80)

5 ذكره البخاري معلقاً (صحيح البخاري ج1 ص216).

6 الوسيط (ج2 ص48).

7 المصنف لابن أبي شيبة (ج1ص 199)، وشرح مسلم للنووي (ج5ص15).

8 المغني (ج2ص80).

9 الوسيط (ج2ص48).