يا صاحب الحاجة

يا صاحب الحاجة

يا صاحب الحاجة

 

الحمد لله سامع كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، وكاشف كل بلوى، أحمدك ربي عدد ما خلقت من الورى، وعدد حبات الحصى، وقطرات الندى، وأصلى وأسلم على النبي المصطفى، خيرِ من استغاث ودعا، وطلب ربه ونادى، فواساه ربه بعد الشدة بـ{ما ودعك ربك وما قلى}، فصلاة الله وسلامه عليه ما غرد طيرٌ واعتلى، ولمع في السما نجم الشعرى، وعلى آله وصحبه ومن به اهتدى، وبسنته اقتفى، وعلى طريقته إلى الله – تعالى – مضى، فلم ينحني إلا لرب الشعرى، وما دعا إلا إله هارون وموسى، فعليهم صلوات ربي ما أجاب الله عبده ولبى، وما عافى الله سائلاً فنجا، وعدد ما رفع البلا، وكتب الله من الصحة والشفا، أما بعد:

إلى صاحب الحاجة إلى الذي أصابته اللأواء، وأضرت به الأدواء، ويأس من الشفاء، وقد تعاطى ما يعلم من دواء.

إلى من ركبته الديون، ولاحقته من أهلها العيون، فلم تهدأ له جفون، وأصبح يهذي كالمجنون، وفي كل حين ينتظر المنون، ويراه خير ما يكون؛ مما يلجأ إليه صاحب الديون.

إلى من أغلقت في وجهه الأبواب، وتجمعت في طريقه الصعاب، وسدت عليه الطرق فلا ذهاب ولا إياب، وتركه الأصحاب والأحباب، وبات في همٍٍّ واكتئاب، وقلقٍ واضطراب، لا يعرف سوى عبارة متى أرتاح تحت التراب.

ألا موت يبـاع فـأشتريه                   فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا رحم المهيمن نفـس حر                 تصدَّق بالوفاة على أخيه

إذا أبصرت قبـراً من بعيدٍ                  وددت لو انني مما يليـه

فإلى هؤلاء جميعاً، ومن سواهم من أهل الحاجات؛ نزف إليهم قول الله – عز وجل -: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}1 قال الإمام السعدي – رحمه الله تعالى -: "أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده، ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة؛ إلا الله وحده"2.

إذا انقطعت الحبال فلا ملجأ إلا إلى ذي الإكرام والجلال يقول سيد قطب – رحمه الله تعالى -: "فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله، يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء؛ ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوى الأسناد؛ وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجرداً من وسائل النصرة، وأسباب الخلاص، لا قوته ولا قوة في الأرض تنجده، و كل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه أو تخلى؛ وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى، في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، هو وحده دون سواه، يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة، وينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق"3.

"جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي؛ فأنا مضطر، قال: إذن فاسأله؛ فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، قال الشاعر:

وإني لأدعو الله والأمر ضيق                 عليَّ فما ينفك أن يتفرجا

ورب أخ سدَّت عليه وجوهه               أصاب لها لما دعا الله مخرج4.

يا صاحب الحاجة كم أنزلت بالناس من حاجة، ونسيت أن هناك من قد قال {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}5، والله – عز وجل – يغضب من العبد يترك دعاءه، ويتجه إلى خلقه فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))6.

لا تسألـن بني آدم حاجـةً                 وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله                 وبني آدم حين يسأل يغضب

يا صاحب الحاجة: لا يغيب عنك أن الله ينظر إلى عباده كل ليلة ينادي فيهم هل من حاجة فأقضيها؟

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ينزل ربنا – تبارك وتعالى – كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له))7.

وإذا تكفل الله بحاجتك فمما تخاف؟ و لم تجزع؟

يا صاحب الهم أن الهم منفرجٌ               أبـشر بخيـر فـإن الفارج الله

إذا بليت فثق بالله وارض به                  إن الذي يكشف البلوى هو الله

فكن مع الله؛ يكن معك، واسأله يعطيك، ولا تيأس فإن الفرج مع الصبر، وإن مع العسر يسراً، ولعل هناك حكمة في تأخير قضاء حاجتك لكي تزداد قرباً من الله، وتزداد افتقاراً له، وذلاً بين يديه، فأكثر من سؤاله، ودع عنك القنوط، فـ{إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}8، والله لا يرد من دعاه، ولا يترك من ناداه، واترك كل ما يمنع استجابة دعائك من أكل الحرام، والتعامل به، واقتراف المعاصي والذنوب، فإن هذه من موانع استجابة الدعاء.

نسأل الله – تعالى – أن يجعلنا من خيرة عبادة، وأن يوفقنا لدعائه، وأن يتقبل منا دعاءنا وأعمالنا، وأن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، وصلِّ اللهم على عبدك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.


 


1 سورة النمل (62).

2 تفسير السعدي (1/608).

3 في ظلال القرآن سورة النمل آية (62).

4 تفسير القرطبي (13/223).

5 سورة غافر (60).

6 الترمذي (3295) بلفظه، وأحمد (9324)، وقال الألباني: حسن، انظر صحيح الترمذي (3/138).

7 البخاري (1077)، ومسلم (1261).

8 سورة يوسف (87).