وقفة تضامنية مع أهل فلسطين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
إن لدى الأمة الإسلامية اليوم العديد من الأسئلة والاستفسارات جراء ما يرونه من الحرب الشاملة على إخواننا في غزة، والذي يقابله صمت عربي ودولي جراء ما يحصل هناك، وبالمقابل التصريحات التي أطلقت من الجانب الإسرائيلي تجاه هذا الهجوم الشرس على إخواننا هناك، وما قابلها من ردود عربية تجاه هذه القضية.
ها هي غزة تستصرخ إخوانها، وتستنهض العرب والمسلمين، فيما تواصل الأمة خذلانها، زاعمة أنها عاجزة عن كل عون، وأنها مكبلة مثقلة بالبروتوكولات والاتفاقيات والمعاهدات، وأنها لذلك لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أضف إلى ذلك ذريعة أخرى يتذرعون بها أن غزة يحكمها متطرفون، والقيادة الفلسطينية ذاتها لا ترضى عنهم، فكيف نمد بالحياة خارجين على الشرعية الدولية والمحلية والقوانين؟.
إن الخذلان غدا اليوم منهجاً وعادة ثابتة، والأمة تغفل أو تتغافل عن الآيات والأحاديث التي توجب النصرة، وأن المسلمين إخوة، وها قد ظلمت الأمة اليوم إخوانها، وخذلتهم، وأسلمتهم لعدوهم يبطش بهم ويفتك كما يشاء، ويحاصر ويخنق كما يهوى ويريد.
ها نحن اليوم نرى القصف العنيف مستمر على غزة، وها هو القصف يصل ليل غزة بنهارها، في ظل مجتمع دولي صامت، وصمت عربي مريب، وتعيش غزة مرارة المجازر الصهيونية البشعة بعد أكثر من عام عاشتها تحت الحصار، وبعد أن حُرِم أبناء غزة من الطعام والماء والكهرباء.
وها هي الآلة الصهيونية تمطر غزة بالنار بشتى أنواع الأسلحة، مخلفة مئات الشهداء والجرحى، نصفهم من النساء والأطفال والشيوخ، والعالم المتحضر يقف موقف المتفرج، والعرب لا يفعلون كعادتهم إلا الصمت، ولم يكفهم الصمت، وأحسنهم حالاً من تفوه بالتنديد، والشجب، وهذا كل ما استطاع له.
هل غاب عنا واجب النصرة؟ وهل فقدنا النخوة؟ أم أننا نسينا العزة التي أعزنا الله بها؟ لقد صدق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين قال وهو يبين أن لا عزَّ إلا بالإسلام في كلمات وجيزة حيث يقول: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا بغير الإسلام أذلنا الله"1.
إنه كلام عظيم من إمام جليل، كلمات مدوية للأمة تبين حقيقة العزة والمنعة، إن هذا الكلام لهو كلام منبثق من كلام الله – عز وجل – حيث قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}2، ويقرر في آية أخرى ويؤكد – تعالى – أن العزة لله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}3، فإذا ما علمنا أن العزة تكمن وتتحقق في الاستمساك بهذا الدين؛ فلم إذاً نعطي الدنية في ديننا؟
يقول – تعالى -: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}4، وفي هذه الآية يسأل الله – جل جلاله – سؤال استنكار: لِمَ يتخذون الكافرين أولياء، وهم يزعمون الإيمان؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع، ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله – عز وجل – بالعزة، وهكذا تكشف اللمسة الأولى عن طبيعة المنافقين وصفتهم الأولى وهي ولاية الكافرين دون المؤمنين، كما تكشف عن سوء تصورهم لحقيقة القوى، وعن تجرد الكافرين من العزة والقوة التي يطلبها عندهم أولئك المنافقون، وتقرر أن العزة لله وحده، فهي تطلب عنده وإلا فلا عزَّة ولا قوة عند الآخرين!5.
إننا اليوم بحاجة إلى رجال كأمثال خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، والمعتصم بن عباد، وربعي بن عامر، وغيرهم من الرجال الذين أذاقوا المشركين الويلات، فأرهبوهم في أنفسهم، وفي عقر دارهم.
إن إخواننا اليوم ليسوا بحاجة إلى الخطابات، والتنديد، والاستنكار، وغيرها من أمور الذلة التي تظهرها المسلمين بموقف الذل والهوان، وإلى هذا الحد يكفي هذه المهزلة، أوقفوا الانهزامية.
إن المطلوب من المسلمين جميعاً أن يقفوا وقفة جادَّة وحقيقية أمام هذه الغطرسة الصهيونية، عليهم فتح المعابر والحدود، وإمداد إخواننا المجاهدين بالمال والسلاح والرجال، وأن يتحد العرب والمسلمين، وينبذوا الفوارق التي أوجدها الاستعمار، ويكونوا يداً واحدة، وأن يقفوا وقفة رجل واحد، وإذا كانوا لا يستطيعون المواجهة العسكرية للعدو الإسرائيلي فليعلموا أن في أيديهم أوراقاً كثيرة يستطيعون من خلالها الضغط على الغرب وعلى العدو الإسرائيلي ومن هذه الأوراق:
1- النفط وعوائده، وأن يوقفوا ضخه إليهم.
2- الاستثمار: فلا تكون الأراضي العربية مسرحاً لتنمية الأموال الغربية، واستثمارها.
3- سحب الأموال العربية والإسلامية من بنوك الغرب.
4- إيقاف الهجرة إلى البلدان الغربية للعمل لديهم.
وهذه بعض الأوراق التي يستطيع العالم الإسلامي والعربي الضغط – بل الضغط الكبير – على الغرب وعلى العدو، فإذا هم لعبوا بهذه الأوراق ليأتينَّ الغرب خاضعاً راكعاً.
نتمنى أن يفيق ضمير العرب والمسلمين، وكفانا كل هذا الدمار، كفانا إهانة للمسلمين والإسلام، كما أن على الجميع أن يعلن تضامنه مع غزة تضامناً عملياً كل فرد بحسب قدرته، وإمكاناته المتاحة، وأقل القليل الدعاء لهم.
أما رسالتنا إلى إخواننا في فلسطين وفي غزة فنقول لهم: يكفيكم ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ))6.
وأما من استشهد منهم فنقول لأهليهم عزاؤكم قول الله – تعالى -: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}7.
ونقول أخيراً لجميع فئات المسلمين:
لقد وقف المشركون من بني هاشم إلى جانب المؤمنين في حصار الشعب في مكة، ووقف حمزة بن عبد المطلب (لما كان مشركاً) بجانب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حين شتمه أبو جهل، وأراد بعض زعماء مكة من المشركون تمزيق الوثيقة الظالمة التي اتفقوا فيها على خذلان بني قومهم من المؤمنين، ألا يكفي ذلك لكي يقف المؤمنون مع المؤمنين، أليس الذي مزق العرب هي هذه المسماة بالبروتوكولات؟
إن الخذلان حاصل، بل إن الحماس الداخلي لخذلان حماس والفلسطينين متوفر، والنية منعقدة، والإرادة مبيتة على الذي هم فاعلوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونختم بقول الله – عز وجل -: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*}8.
نسأل الله – تعالى – أن يعزَّ الإسلام والمسلمين، وأن ينصر المسلمين على عدوهم، وأن يمكِّن لشريعة سيد المرسلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.