هزة في أرض غزة للشيخ/ محمد بن صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد غضب على اليهود ولعنهم، وهو سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز ماذا يفعل هؤلاء المجرمون، أخبرنا عز وجل أنهم ملعونون أينما ثقفوا، هؤلاء قتلة الأنبياء، يسعون في الأرض فساداً، وهذه من أبرز سماتهم، يسارعون في الإثم والعدوان، كلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم، يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، يحرفون الكلم عن مواضعه، أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، وهم أحرص الناس على حياة، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، ولذلك كان جزاؤهم أن الله لعنهم بكفرهم، وجعل قلوبهم قاسية، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وقد باؤوا بغضبٍ من الله، فأمر الله هذه الأمة أن تعلن غضب الله عليهم يومياً، نهاراً وليلاً في هذه الصلوات التي تتلى فيها سورة الفاتحة، إعلاناً من المسلمين بهذه الأمة الغضبية التي غضب الله عليها، وصار عملها في كل وقتٍ وحين الإفساد في الأرض، لعنهم الله وهم في كل وقتٍ يخربون ويهدمون، وكلما تمادى الزمان ومرت الأعوام تبين فساد هذه الجرثومة زيادةً بزيادة، طغياناً في الأرض ومكراً، وقتلاً لعباد الله وحرقاً، لم يرحموا وليداً، ولا امرأة، ولا شيخاً، لا كبيراً ولا صغيراً. هؤلاء الذين خرقوا حتى حرمة السبت لديهم بهذا العدوان الذي قاموا به في يوم السبت الماضي، وإذا كان الله تعالى قد ذكر في كتابه: {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ} (154) سورة النساء، فنهاهم عن الصيد والعدوان فيه، نهاهم عن صيد السمك ابتلاءً لهم، وهم يصطادون الآدميين اليوم، وكان من نتيجة خرقهم لحرمة السبت فيما أخبرنا الله أنه مسخهم، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (65) سورة البقرة. وإذا كان اليهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد كان فيهم شيءٌ من الحذر من فعل شيء في يوم السبت، فإن يهود اليوم لا حرمة لديهم للسبت في دينهم حتى. وقد روت كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا حاصر يهود بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، وجهدهم الحصار، نصحهم زعيمهم كعب بن أسد قائلاً: إن الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمدٌ وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا -عنصر المباغتة- لعلنا نصيب من محمدٍ وأصحابه غرةً، فقالوا له بقية اليهود: نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا، إلا من قد علمت -يعني من الممسوخين- فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ، فكفوا، لكن يهود اليوم لم يكفوا، وصار عدوانهم في يوم السبت وهو حرامٌ عندهم، فحتى دينهم الباطل لم يحترموه، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30) سورة الأنفال. ومصداقاً لما أخبر الله به من عداوة اليهود للمؤمنين، وأنها تاريخية مستمرة إلى قيام الساعة، لا تهدأ حتى يقاتل آخرهم مع الدجال، هذه الحقيقة التاريخية التي يتغافل عنها الذين يظنون بأن اليهود يمكن عقد معاهدات معهم، أو أن نعيش معهم في سلام، حقدهم دفين، عداوتهم عظيمة، {بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (118) سورة آل عمران، فقاموا بجريمتهم النكراء، في هذه المجزرة التي حصدت المئات من قتلى المسلمين، والآلاف من جرحاهم، لا تزال أروقة المجمعات الطبية مليئة بالمصابين، والأشلاء الممزقة تملأ الطرقات، وبعض الجثث بين الأنقاض قصفت مرتين، فلم يكفي اليهود أن يقصفوها مرة، وهذه الأجساد للأطفال المبعثرة، والرؤوس المقطعة، وأجساد بلا رؤوس، وثلاجات الموتى التي عجزت عن استيعاب أعداد القتلى، قتل اليهود الذي لم يوفر طواقم الإسعاف، ولا سياراته. وجثث متفحمة، وأناس يبحثون عن أقاربهم بين الركام، وآخرون لم يتعرفوا على هوية تلك الجثث، ومساجد تسوى بالأرض، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ} (114) سورة البقرة، وصارت القضية رعباً على الأطفال بالليل، يختبئون في خزائن الملابس وتحت الأسرة ظناً منهم أنها تقيهم من صواريخ طائرات اليهود، لا يخرج الناس في غزة إلا لأمرين: بحثاً عن الخبز أو علاجاً للمرضى والمصابين، وأهل الإسلام يخرجون للنجدة، وتثبيت الناس والإنقاذ والإسعاف، لكن هؤلاء الذين يخرجون لشراء الخبز لعائلاتهم ليس كلهم يعودون إليه بخبز، فتترقب البنيات في البيت رجوع أبيهن مع الجوع الذي أصابهن بشيء من أرغفة الخبز، فقد يعود بشيء يسكت الجوع أحياناً، لكنه يضطر في أحيانٍ أخرى إلى قص القصص على بنياته لعلهن ينمن، وإن أدركهن الجوع لأنه لا يوجد خبز. هؤلاء الذين أصابهم من شظايا قنابل اليهود ما أصابهم، الكثير التي بثت في الجلود، لأنها قنابل خاصة، قد طورها اليهود لأجل التشفي، والزيادة في الإفساد والقتل. الناس في غزة ينطقون بالشهادتين قبل النوم على نية أن تكون آخر الكلمات، لأنهم لا يأمنون من الموت قصفاً أثناء النوم، هذا الرعب الذي حصل في النساء والأطفال وغيرهم، وهذه الكارثة الكبرى التي حصلت، وهذا القصف البري والبحري والجوي، وهذه القنابل التي تخلع المباني من أساساتها، إن قصف المسجد الذي خلعه من أساساته قد ألقى بالحطام على بعض الجيران، لتموت خمس شقيقات نائمات بريئات من أسرة واحدة، والناس تبحث عن ملجأ ولكن لا ملجأ إلا الله؛ لأن البيوت الأخرى معرضة للقصف أيضاً، والشوارع معرضةً للقصف أيضاً، واليهود يقولون: وإن دخلتم المساجد فسوف نقتلكم فيها؛ لأن مساجدكم لن تفيدكم في حمايتكم من القصف، فإننا لا نوفر شيئاً. أعداء الله هؤلاء، هذه الطائفة القردية الخنزيرية الإبليسية المنحطة الضالة الملعونة هذه الأمة الغضبية، هذا طبعها أياً كان قادتها، ومن أي الأحزاب كانوا، رجالاً ونساءً، كلهم مجرمون. ولقد نقلت تلك المقابلات ذلك المستوطن "المدني" بين قوسين، الذي يقول بعد الغارات: أنا فاتح الموسيقى ومكيف، ومبسوط على اللي بتسويه الطيارات اليهودية في الفلسطينيين، فالذين لا يشاركون في الضرب أعوانٌ أيضاً في السرور بالتفرج على المأساة، هذا الرصاص المصبوب الذي أعلن عنه زعماء إجرامهم هو شيءٌ من طبيعة الحقد اليهودية المستمرة عبر التاريخ، ما كذب القرآن والله، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخبرنا عنهم مراراً وتكراراً، يوقدون ناراً للحرب بين مدةً وأخرى كما قال الله: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ} (64) سورة المائدة، "كلما" هذه الاستمرارية في إيقاد نار الحروب هي من طبيعة هؤلاء اليهود. ولكن يا عباد الله يتساءل الناس، وأهل الإسلام لماذا ينزل البلاء بالمؤمنين؟ لماذا يحصل هذا القتل والدمار، وفي غمرة هذه الشدائد تطيش بعض العقول، وتطيش أيضاً اعتقادات بعض الناس، وليس في أفعاله تعالى شرٌ محض، ولا بد أن تنطوي المحن في ثناياها على منحٍ، ولا بد أن يكون في أفعال الله خيرٌ بوجهٍ من الوجوه، وابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم أحياناً من حكم الله، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (140) سورة آل عمران، يوجد في الصف بين المسلمين من هو مندسٌ من أهل النفاق، وأصحاب إيمانٍ ضعيف متزلزل، يكشفه الله تعالى بمثل هذه الكربات، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (2) سورة العنكبوت، إذاً هذه طبيعة الدين، الفتنة والمحنة، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (3) سورة العنكبوت، وقد بين سبحانه وتعالى حكماً مما يريد من الشدائد، فقد نزل بالمسلمين حتى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كربات عظيمة، وقد توالت على المسلمين في سنةٍ واحدة مذبحة في بئر معونة، وقتلٌ استحر بهم في غزوة أحد، قتل سبعون هنا، وسبعون هنا من خيار أصحاب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان الرخاء الاقتصادي أو العيش السلمي، أو الدنيا الهانئة الوادعة موفرةً لأحدٍ على حسب صحة دينه، لكانت موفرةً لأصحاب محمد بن عبد الله مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولكن قضى الله تعالى في كتابه، وشاء بحكمته أن يبتلي المؤمنين، فهذا الابتلاء سنة لا يمكن دفعها، لا يمكن إلغائها. إن ابتلاء الله تعالى لأهل الإيمان سنة ماضية عبر التاريخ، ذكر عز وجل بعض الحكم منها فقال: {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} كذلك {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} كذلك {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} كذلك {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (140، 141) سورة آل عمران، كذلك ويستخرج الله من عباده المؤمنين ألوان العبودية باللجوء إليه، والتضرع إليه، ودعاءه والإلحاح عليه، بما فيه انكسار نفوسهم، وذلهم لربهم، وبكائهم بين يديه، وانطراحهم على عتبة بابه، وفي صلاته، وهم ساجدون في محرابه، يسألون، ويلحون، يناشدون ويرجون، يكررون والله يحب الملحين في الدعاء. ولو أن الله كتب لعباده النصر دائماً لحصل لهم من الأشر والبطر والغرور والعجب والفرح والكبر ما يذهب بهاء التوحيد ونور العبودية، ولكنه سبحانه وتعالى يبتلي ويعافي، وينصر ويهزم، وهو عز وجل ينعم ويبتلي، إنها شدةٌ ورخاء {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} (19) سورة الإنشقاق، وحالاً بعد حال، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (29) سورة الرحمن، يفعل ما يشاء {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (253) سورة البقرة. وأيضاً يحصحص الله الحق، ويخرج ما في النفوس من الخبايا المستورة، قال الحسن رحمه الله: الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم البلاء صاروا إلى حقائقهم، فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه، المنافق يقول: لو كان هذا الدين حق، ولو كان أصحابه على حق لانتصروا، وأهل الشك والريب يقولون: لماذا يفعل الله بعباده هكذا؟! لماذا لا يأخذ هؤلاء الآن أخذةً واحدة؟! لماذا لا ينصر هؤلاء الآن نصراً مؤزراً!؟ هذه بيد الله لا بأيدينا، يفعل الله ما يشاء متى شاء سبحانه وتعالى، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (23) سورة الأنبياء، وهو عز وجل يداول الأيام بين الناس، يحيي ويميت، وهو سبحانه وتعالى الواحد القهار، وهو عز وجل يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وهكذا تعرى كثيرٌ من المنافقين بعضهم يلومون أهل الإسلام، وبعضهم يتوعدون أهل الحق، وبعضهم يقولون بعزة أولمرت إنا لنحن الغالبون، كما قال جنود فرعون، والسحرة في ذلك الموقف: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. فقام المنافقون أهل الكفر والريب المندسون الذي يموهون ويخدعون بالتشفي مما أصاب المسلمين في غزة، هذا كشفٌ عظيم، ومن حكمة الله البالغة أن يحدث، {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (179) سورة آل عمران، هذا الخبيث لا بد أن يتكشف، هذه المواقف لا بد أن تنجلي، هذه الشخصيات لا بد أن تتعرى، ولذلك كانت الأحداث، وأيضاً يتمنون ظهور اليهود وغلبتهم ليسلموهم الأمر؛ لأنهم أعوانهم، وهكذا ظهر اليهود ويهود العرب معهم. أيضاً قال سبحانه وتعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} (140) سورة آل عمران، الناس كلهم يموتون، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (35) سورة الأنبياء، لكن ليس كلهم ينال مقام الشهادة، مقام الشهادة عزيز، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعل للشهادة أبواباً متعددة، وليس فقط الذي يقتل في المعركة ضد العدو، قال عليه الصلاة والسلام: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وفي رواية صحيحة أيضاً: ((والذي يموت تحت الهدم شهيد)) وقد مات كثيرون اليوم من إخواننا وأخواتنا وأطفالنا والرضع من هذه الأمة تحت الدمار وتحت هذه الأنقاض، يعني تحت الهدم نرجو لهم الشهادة وأجرها ومنزلتها عند رب العالمين، والله هو الكريم سبحانه وتعالى، لا يخيب من ذهب إليه راجياً وجهه. وذهب نزار ريان وزوجاته وأطفاله، ثلاثة عشرة من العائلة في هذا القصف أيضاً، ذلك الرجل من أهل الحديث الذي درس السنة النبوية، وتمسك بها في مظهره، تراها في هذه اللحية المعفاة، وهذه العقيدة عقيدة السلف التي تبناها، ولذلك نرجو من جميع أهل فلسطين أن يجعلوا من مثل هذا الرجل نبراساً لهم في التمسك بسنة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، ومحبة عقيدة السلف، وعدم التقرب من أصحاب العقائد الكفرية والزائغة، وكذلك اتباع سنن الفطرة بما فيها إعفاء اللحية، فإن الذي يموت على سنة محمد بن عبد الله هو السعيد والله، ونرجو أن يكون هذا الرجل وأهله من هؤلاء. {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141) سورة آل عمران، هذه من الحكم الإلهية، كيف يمحقهم سبحانه؟ بعدما يظهر طغيانهم، كيف يمحقهم عز وجل؟ بعدما يقترفون الجرائم، كيف يمحقهم سبحانه؟ بعدما يستحقون المحق والإهلاك بالإفساد الذي يقومون به، ويتوالى إفساد اليهود، ويظهر طغيانهم، ولذلك لا بد لهم من المحق؛ لأن سنة الله لا تتخلف، لكن نحن لا نقول متى، ولماذا لم تأت إلى الآن! وتأخر الإهلاك! لأن هذا بيد الله مولانا نعم المولى ونعم النصير، يأتي به متى يشاء سبحانه، اللهم عجل فرج المسلمين. ومن حكمة الله تعالى في الابتلاء بالمصائب أن يظهر الصبر، وهذا الصبر عاقبته جميلة، الرضا واليقين، عاقبته جميلة ولا تأتي هذه العاقبة الجميلة إلا إذا حصل مقتضاها، الصبر واليقين والرضا، وهذا ما تلمسه في أهالي بعض القتلى، وهم يقرؤون الآيات، ولقد تليت الآيات على الشاشات، وجاءت بها الأخبار من أناسٍ في غزة، يقرؤون قول الله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (156، 157) سورة البقرة، هذا الأجر العظيم لا يأتي إلا إذا حصل ما يؤدي إليه، وكيف يحصل الرضا واليقين والصبر إذا لم تكن هنالك مصائب تقابل بها المصيبة، بهذا يحصل الأجر والثواب، الدنيا دار ابتلاء ذاهبة زائلة، الدنيا زائلة، فمن الذي يختم له بخير، ومن الذي تكون أعماله فيها خير، وهذه أمة مرحومة عذابها في دنياها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أمتي هذه أمةٌ مرحومة، قال عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل)) رواه أبو داود وهو حديث صحيح. هذا تكفير، هذا تطهير، هذه رفعة، سيقولون دمرت غزة، نقول ولكن ما يحصل من الرفعة والتطهير والأجر عند الله لا يقاومه هذا الدمار، الدمار أقل بكثير، الأجر أعظم بكثير، ولهذا فإن الابتلاءات مكفرة للذنوب، ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله)) الحديث يقول: ((حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وهكذا رأينا إخواننا في غزة قد اجتمع عليهم البلاء بأنواعه ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده)) فهكذا دمرت بيوتهم وذهبت أموالهم، وأثاث بيوتهم يا عباد الله هم يجمعون ما تبقى من الأثاث الآن، والإطارات الخشبية، وما تبقى من الأبواب بعد القصف ليستدفئوا عليه الآن في برد الشتاء، فما تبقى من البيوت صار حطباً يوقدونه ليحصلوا على شعلةٍ يستدفئون بها ويصطلون من برد الشتاء. هذا الابتلاء يحرك الله به أمة نائمة مخدرة، قد تلاعبت بها الدنيا، فراح كثيرون منها في أوديتها، سيراً وراء الكفار، وإعجاباً بهم، وتقليداً لهم، وشاء الله توقيت هذه المذبحة مع احتفالات ما يسمى برأس السنة الميلادية، لتحدث هذه المفارقة الضخمة، أناسٌ يحتفلون وأنوار وشموع، وزينة في السماء من هذه الألعاب النارية، وهذا الخمر والسكر والرقص والعهر والفجور، وشاشات قنوات لا ترجو الله ولا اليوم الآخر، ماذا يوجد فيها؟ ماذا كان موقفهم من هذه المصيبة؟ كيف كانوا ينصرون إخوانهم؟! العالم تحت تأثير موسيقى هادئة ناعمة ناعسة على بساط ريح من ضباب لندن إلى ثلوج سويسرا إلى أشجار الميلاد في باريس، ومن شموخ تمثال الحرية في نيويورك إلى مهرجانات السامبا ودفئ سدني لا يقطع متعة استرخاءك، هذا الموجود في مناصرة غزة، هذا هو الذي عرفتموه، ألعاب ومباريات وأمة ذاهبة، ذاهبة أين ذاهبة؟ في عالم من الضياع والمتعة، واللذة، والفرجة، والسخرية، والمسخرة، وأيضاً دنيا تغر، لهو في لهو في عالم آخر، في أودية أخرى، ومنهم على استحياء ألغى شيئاً من احتفالات ما يسمى بأعياد الميلاد، الذي يحتفل به النصارى لميلاد ابن الله في زعمهم، هذا الكفر العظيم، احتفال بالكفر العظيم، ومنهم من خفف من هذا الاحتفال، ومنهم بكل وقاحة من أكمل برنامجه دون أي تغيير؛ لأن القضية لا تهمه الآن، لكن الله بالمرصاد، الله بالمرصاد. {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني هي الحياة الحقيقية {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (64) سورة العنكبوت، والله عز وجل يكشف هؤلاء أهل اللهو ماذا سيفعلون أمام قضية هذه المأساة في غزة، فانكشفت أوراق كثيرة، وشخصيات، ومواقف، وألاعيب، ليس فقط على المستوى الفردي ولا العربي، وإنما على مستوى العالم أيضاً، فتعطل قرارات إدانة مجرد إدانة في مجلس الخوف، وليست القضية عندهم كجورجيا لما صارت المسألة من إخوانهم في الدين، سارعوا وهرولوا وقاموا بعدتهم وعتادهم ينصرونهم، لكن أهل الإسلام لا بواكي لهم عندهم، ولذلك حق للمسلم أن يكفر بالشرعية الدولية، وأن يكفر بهيئة الأمم، هذه التي وضعوا أنظمتها هم، يحلون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون، وينصرون من شاءوا، ويخذلون من شاءوا، ويدينون من شاءوا، ويمدحون من شاءوا، كفرنا بهكذا بمثل هذا،وهذه الطائفة المنصورة من أهل الإيمان يقاتلون على الحق من خالفهم إلى قيام الساعة، هكذا يريد الله. أين حقوق الإنسان والشرعية الدولية والنظام العالمي والديمقراطيات؟ لا شيء أيها الإخوة، هي مجرد أدوات بأيدي الكفار، ينفخون فيها متى شاءوا، ويحجبونها متى شاءوا، فأين إذاً جمعيات الرفق بالحيوان؟! وهكذا ترتفع رايات ليخفضها الله تعالى، وترتفع دعايات وادعاءات ليبطلها الله تعالى بهذه الأقدار العظيمة التي من وراءها الحكم الكثيرة. يبتلى أهل الإيمان من الذي سيسارع إلى نصرة إخوانه، يبذل لهم ما يستطيع من تقديم المال والدم والدعم الإعلاني، والمساندة، والدعاء، من الذي سوف يكتب من أجلهم، ويتكلم من أجلهم، ومن الذي سيخذّل عن الإنفاق، ومن الذي سيمن ويؤذي، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (264) سورة البقرة. وكذلك فإن قضية تصفية الحسابات في وقت الكوارث والمآسي، وإظهار الشماتة بالمستضعفين هي من أفعال أهل النفاق، وقد ذكر الله تعالى في كتابه قولهم: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} (168) سورة آل عمران، هذه مقولة نفاقية واضحة منصوص عليها في القرآن، يقولها المنافقون الآن {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}. عباد الله إن توهين عزائم المسلمين والقيام بالدور الإرجافي البغيض هو من طبيعة النفاق، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} (60) سورة الأحزاب، والله عز وجل قال لأهل الإيمان: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (72) سورة الأنفال، عندما تحدث هذه الأحداث يستخرج مما في نفوس المؤمنين من الخير ما يستخرج. لقد غصَّ المستشفى التخصصي بالذين يريدون التبرع بالدم حتى اضطر القائمون عليه إلى تأجيل الناس لليوم الذي بعده، وقيل للجموع المحتشدة في المستشفى إنا استيعاب المستشفى لا يكفي الآن، والذين دخلوا بالكاد سنستطيع أخذ التبرع بالدم منهم، وبقيتكم يعودون غداً، هنالك خير في الأمة فكيف يستخرج؟ بمثل هذه المصائب. وعندما يحدث التنادي لدعم إخواننا المسلمين، وتقديم الصدقات لهم، وتذهب المساعدات لهم يكشف الله تعالى من الذي يعوّق هذه المساعدات في فائدة أخرى من فوائد الابتلاء وحصول هذه الشدائد، وبعض الناس يقولون على حساب المساكين، والأرواح، وهذه الضحايا، نقول: هناك مجموعة ضخمة من الحكم الإلهية تنتج عن هذه الأحداث. هذه المأساة بأبعادها تكشف مدى التلاحم بين المؤمنين. كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان ألا نفوس أَبيِّات لهم همم أما على الخيل أنصار وأعوان وهكذا نرى أن المحنة توحد الأمة، وتجمع صفوفها، وأن تآزراً بين المسلمين من طنجة في المغرب إلى جاكرتا أن هذا التلاحم ما كان ليحدث لو لم تقم هذه المصيبة، وأن الله عز وجل يقرب الأمة من بعضها، وأن الله سبحانه وتعالى يزيل من الفوارق والتشتيت والتقسيم الذي فعله أعداء الأمة يزيله سبحانه بمثل هذه المصائب، تمهيداً لتوحيد المسلمين، وتقريب المسلمين، وتآخي المسلمين، وإظهار الشعور الحقيقي للمسلم تجاه أخيه المسلم، ولله الحكمة البالغة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات، ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)). عباد الله إن عدم التأثر لما أصاب المسلمين هذا بلادة في الإحساس بلادة في الإيمان، إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس. وبعض الناس يقولون ما عندنا غير الدعاء، أتسخر بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمدٌ وللأمد انقضاء الدعاء سبب النصر، {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (250) سورة البقرة، النصر ليس بكثرة عدد، ولا بكثرة عُدد، فهزموهم بإذن الله {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} (251) سورة البقرة. وهكذا دعا نوحٌ ربه، وما الذي يملك نوح إلا القلة المستضعفة معه {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (26) سورة نوح، فأجاب الله دعائه. وهكذا فعل موسى عليه السلام عندما دعا بالقلة المؤمنة التي معه دعا على فرعون وجنود فقال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (88) سورة يونس. وهكذا فعل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عندما قال في قنوته: اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ودعا لإخوانه فقال: اللهم أنجي المستضعفين من المؤمنين، وهكذا جاء النصر في بدرٍ. لما صفّ القائد قتيبة بن مسلم المسلمين أمام العدو، وهاله عدوهم سأل عن محمد بن واسع، هذا إنسان عابد، هذا إنسان ترجى إجابة دعائه، هذا في الجيش، فقيل له للقائد لـ قتيبة عن محمد بن واسع: هو ذاك في الميمنة، جامع على قوسه يشير بإصبعه نحو السماء يدعو، فقال قتيبة: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيفٍ شهيرٍ وشاب طرير. كان صلاح الدين الأيوبي إذا سمع العدو دهم أرضاً للمسلمين يقول: اللهم انقطعت أسبابي، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل. يسجد ودموعه تتقاطر على شيبته يدعو ربه، ولهذا كان القنوت، وهذه الحكم العظيمة. ارفع أكفك بالدعاء تضرعاً ما خاب من يرجو الكريم ويطلبُ اسأله ذلاً للذين تجبروا فالله يقسم من يشاء ويعطب وهكذا ترى أهل الإيمان والدعوة على المنهج الصادق يحييون الأمل في نفوس الأمة، ويقولون {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (173) سورة الصافات، ويبشرون {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم، وترى أهل الإرجاف يأخذهم الذل، فيثبطون، ونصر الله سبحانه وتعالى آتٍ، وقصمه لظهور هؤلاء الجبابرة حاصل، ثم نعود ونقول: يا أيها الناس يا عباد الله لما نسمع أطفالنا يقولون: اعذرونا إن صرخنا.. إن في أعماقنا الموت الزئام.. لا أظن الصارخ المذبوح إن صاح يلام.. اعذرونا إن فتحنا مرةً أفواهنا.. أنتنت ألفاظنا من شد اللثام… كلمة المعروف شاخت وهي تحيا في الظلام.. يا عرب يا مسلمين يا بشر أتساءل.. أهو عيبٌ أن أقول الحق جهراً أما ماذا.. قبح الله لساناً يألف الصمت الحرام. عباد الله عندما نرى الاستغاثات نعود إلى أنفسنا ونقول لماذا نحن بهذه الضعة؟ ولماذا نحن بهذه المهانة؟ فيأتينا الجواب: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد. تأتينا المصائب المتوالية، وهذه الأحداث الجسام، ونقول من أين؟ ولماذا؟ وما هو السبب والمصدر؟ فيأتينا الجواب: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (30) سورة الشورى. العيب فينا نحن، التقصير منا نحن، لا بد أن نعود إلى الله، إذا كانت مثل هذه الجريمة الكبرى لا تتسبب في توبتنا، ولا في رجوع عصاتنا، ولا في الإنابة إلى ربنا، ولا في العودة إلى كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وإذا كنا سنستمر في أودية الدنيا، لهواً في الترف والسياحات، والأسفار، والتجارات، والشهوات، وأنواع المحرمات، والخمور والمخدرات، والاستمتاع بالمومسات، إذاً نستحق النصر على ماذا. ولذلك يمكن أن تثمر مثل هذه الكارثة والمصيبة عن توبة أناس إلى الله؛ لأنهم سيقولون نريد التغيير، نريد الخروج من النفق، نريد النصر، نريد رفع الذل، نريد أن نهزم اليهود، فنقول: كيف سنهزمهم، لا بد أن نعود إلى الله، فتترسخ قضية العودة إلى الله عند عوام المسلمين، تترسخ قضية الرجاء من الله لا يمين ولا شمال، ولا شرق ولا غرب، لا نصر إلا من الله، من الذي ينصر الآن في غزة المسلمين، ليس إلا الله، ليس إلا الله. ولذلك الآن تجريد التوحيد والعودة والأوبة والتوبة لله سبحانه وتعالى. اللهم تب علينا، واغفر ذنوبنا، اللهم ردنا إليك يا رب العالمين، اللهم كفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من العاملين لدينك، المخلصين لشريعتك يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الكبير المتعال، الحمد لله الواحد القهار، الحمد لله القوي الجبار، مكور النهار على الليل ومكور الليل على النهار، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أمينه على وحيه، ومصطفاه من خلقه، ختم الله به المرسلين والنبيين، وأرسله رحمةً للعالمين، فبلغ الرسالة، وجعل الله تعالى أمته خير أمة أخرجت للناس؛ لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإيمانهم بالله، فدينهم أحسن الأديان، وشريعتهم أحسن الشرائع. فهاتوا شريعةً اليوم في الشرق أو الغرب أحسن من شريعة الإسلام، وهاتوا نظاماً في الشرق أو الغرب أعدل من نظام الإسلام، ولذلك {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران، ولا يسمع بنبينا يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يؤمن به إلا دخل النار. أشهد أن محمداً رسول الله حقاً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: هذه المصائب العظيمة التي حلت، هذه الدموع التي لا تُكفكف اليوم، وهذه الأشياء المؤلمة التي تجعل أصحابها يقولون: دعني أكفكف أدمعي تلك التي ذهبت هباءً في رحى الفلوات دعني أئن على هياكل صبيتي فالناس غرقى في صدى النغمات آهٍ مددت يدي لمهجة إخوتي فوجدتها أقصى من الصخرات نقول كلا والله، بل في المؤمنين قلوبٌ لينة، وإن الدموع لن تذهب هباءً، وإن صرخات الاستنقاذ لن تمر سدى، وإن سمعنا بالقصص التي يشيب لها الولدان، وهذه الصور التي تملأ الشاشات والمواقع والقنوات، وفيها مما يعتصر له القلب ألماً ويطول عليه للدين النحيب فحقٌ ضائعٌ وحمىً مباحٌ وسيفٌ قاطع ودم صبيب. نقول بالرغم مما يعانيه أهل غزة اليوم في الشتاء والدماء، بلا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء، نقول إن فرج الله لآت، إن مع العسر يسرا، إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين، ونقول: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (28) سورة الشورى. يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله وهنالك ولله الحمد مبشرات: أولهاً: صمود المسلمين في غزة، وإنه والله لنبأ عجيب، أكثر الناس عنه معرضون، لم يرفع المسلمون في غزة الرايات البيض كما يقال، ولم يستلموا لليهود، ولم يطلبوا صلحاً، ولم يتوسلوا إليهم، ولم تصدر كلمات الترجي بإيقاف القصف، وإنما ظهرت بالعكس مواقف التحدي، وكلمات القوة، أليس عجباً أن يستمر ذهاب فتيان المسلمين إلى حلقة تحفيظ القرآن في المساجد في غزة بالرغم من القصف، وهم يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، مع ما يحصل في المساجد من القصف. أليس من التحدي أن يرفع الأذان على أطلال المسجد المقصوف، فيتجمع الرجال في غزة لصلاة الجماعة فيما تبقى من الأرض بعد الحطام، ليعلونها لله صلاةً، ولأعدائه مراغمةً أن المسجد الذي قصفتموه قد أعلنا فيه الأذان، وأقمنا فيه صلاة الجماعة. أليس من التحدي أن يستمر إطلاق ما يمكن إطلاقه على هؤلاء اليهود، أنا أقول إن هذه من البشائر العظيمة والحمد لله. ثانياً: إن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه العزيز لليهود: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} (8) سورة الإسراء، يعني وإن عدتم للإفساد في الأرض عدنا لتعذيبكم، ولتسليط أعدائكم عليكم، يا بني إسرائيل، يا هذه الأمة الغضبية، يا إخوان القردة والخنازير، يا أعداء الله، يا أيها الأرجاس الأنجاس، إن عدتم إلى الإفساد وقد عادوا، فسنسلط عبادنا عليكم، يحلون الذل بكم، وها هو فعلهم قد حصل، وإفسادهم قد انتشر، ونحن ننتظر أن يعود الله عليهم بالانتقام، وأن يوقع فيهم العقوبة، ووعد الله لا يتخلف وهو آتٍ لا محالة، ولكننا قومٌ نستعجل، والعاقبة للمتقين. وإذا اشتدت الأزمة فإن الفرج بعدها آتٍ، {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (10، 11) سورة الأحزاب، برداً وحصاراً وجموعاً، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (25) سورة الأحزاب، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} (25) سورة الأحزاب. وأما هؤلاء اليهود فإن الله سبحانه وتعالى قد قذف في قلوبهم الرعب، وإن من البشائر أن نراهم اليوم بالرغم من المقذوفات التي لا تساوي شيئاً بجانب أسلحتهم يعيشون في رعب، وينقل المصابون بالصدمات العصبية منهم على الكراسي إلى المستشفات وهم يرتجفون تحت عدسات الكاميرات التي سمح لها أن تلتقط، أو لم يستطيعوا حجبها عن العالم. ووزير تجارتهم رئيس حزب شاة اليهودي البغيض وهو يطلق تصريحاته، تأتي المقذوفة من فوقه ومن معه، فينطرح كالفأر المذعور عند سيارةٍ ليحتمي بها من ماذا؟ وما هي الصواريخ التي عند أهل غزة، مواسير مملوءة بالبارود، وإذا أحدثت أضراراً فما هي الأضرار التي ستحدثها بجانب الـ إف 16 والأباتشي، والصواريخ والدبابات والزوارق البحرية المتطورة، لكن هذا القدر العجيب، الرعب الذي يصبه الله في قلوب اليهود من هذه الأسلحة اليسيرة الموجودة المتيسرة عند المسلمين إنها تبين الحقيقة اليهودية والنفسية الغضبية الملعونة، {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ}، بالطائرات، الجبناء بالطائرات يقصفون، داخل الدبابات والزوارق من بعيد، {إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} وحتى لو دخلوا بالعربات المحصنة المصفحة هل يستطيع اليهود أن يقاتل المسلمين وجهاً لوجه؟ كلا والله لا يستطيعون، والله العظيم لا يستطيعون، والله لو واجهوا المسلمين لارتدوا على أدبارهم صاغرين، {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}، ولذلك عندما تفشل عملية عسكرية عندهم يقبل بعضهم على بعضٍ يتلاومون، ويقع بعضهم في بعض، فيهم أحزاب متناحرة، بينهم كره حقيقي ليس تمثيلياً؛ لأن الله عز وجل أخبرنا وهو سبحانه صادق فيما أخبرنا ومن أصدق من الله قيلاً، {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (14) سورة المائدة، وبينهم وبين غيرهم أيضاً. و {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (14) سورة الحشر، إذاً اليهود غير متوحدين في الحقيقة، في حقيقة الأمر غير متوحدين، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} توحدوا على حربنا فقط، ثم إن هؤلاء لا يستطيعون الصمود في حربٍ طويلة، ودائماً يريدون حروباً خاطفة سريعة، يخرجون فيها منتصرين بشروطهم التي يريدونها، فإذا لم يتحقق لهم ذلك بصمود المسلمين، وثبات المسلمين، وهذه القضية المخيفة الآن بالنسبة لهم، إذا استمر صمود أهل غزة، فماذا سيفعلون خصوصاً وأن بعض صحفهم، والصحف الغربية قد نصت على أن هذه الحملة هي حملةٌ فاشلة لن تحقق أهدافها. إذاً من هو المنتصر الحقيقي في النهاية؟ وهل هؤلاء اليهود الذين جاؤوا من أرجاء الأرض مستعدون للموت في تلك المستوطنات والبلدات التي هم فيها، أبداً، لا يمكن، يرجعون ويتراجعون. إذا كانوا الآن يقولون تهيئة الملاجئ في تل أبيب، ماذا بقي؟ ماذا بقي إذا كانت ملاجئ عاصمتهم الآن يجهزونها للاحتماء، ماذا بقي العاصمة العاصمة ماذا بقي؟ ومن أي شيء يحتمون الجبناء، المتخاذلون، أعداء الله هؤلاء ينتقم الله منهم في القديم والحديث، عاجلاً وآجلاً. هؤلاء يعطلون اليوم مؤسسات تعليمية لديهم وأعمال، ويقبعون في البيوت ويقبعون في الملاجئ، جبناء، إذا كان اليهود الآن قد استدعوا جزءً من الاحتياطي، سبحان الله العظيم، يُستدعى الاحتياطي عندما تحارب دولة دولةً أخرى، عندما يقابل جيش نظامي جيشاً نظامياً آخر يُستدعى الاحتياطي، لكن يُستدعى الاحتياطي من أجل غزة ما معنى هذا استدعاء الاحتياطي مرةً أخرى؟ البشائر والتفاؤلات في ثنايا المحنة، ونحن نرى حقيقةً أيها الإخوة، وليس هذا الكلام مجرد هراء أو إفراط في التفاؤل أو بلا أساس، انظر إليها، انظر إليها من جميع النواحي، استدعاء احتياطي، تهيئة ملاجئ العاصمة تل أبيب، ما معنى ذلك؟ ويصرح كبيرهم يقول: لا نريد حرباً طويلة، ما معنى ذلك؟ كل هذا الجيش وهذه الطائرات والدبابات ولا يريدون حرباً طويلة، {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء، {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}. وهذا الذي يحدث الآن مصداق لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (18) سورة الأنفال، موهن كيد الكافرين. بقية قضية أن نعيش على التوحيد، ونثبت على التوحيد، ونقاتل على التوحيد، ونجتمع على التوحيد، ونتوحد على التوحيد، وسيأتي المدد من الله، والوعد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (55) سورة النــور، سيحصل لهم خوف، لكن سيأتي بعده أمن، سيحصل استضعاف لهم لكن سيأتي بعده تمكين، ولذلك لا بد من العودة إلى الله، ولا سواء، قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة. تقول الإذاعة العبرية أن الإقبال على شراء واستعمال المهدئات النفسية في المنطقة الممتدة من أشدود شمالاً وحتى بئر السبع جنوباً تشهد تزايداً ملحوظاً، وهو ما يظهر حالة القلق والخوف من جانب سكانها، والعزاء لمسلمي غزة، ما عندهم صيدليات الآن توزع مهدئات نفسية، سيأتي وعد الله، لكن الأمة تحتاج إلى تربية، الأمة أحداث تعيدها إلى صوابها، أفراد الأمة بحاجة إلى توبة، كلنا بحاجة إلى رجوع إلى الله عز وجل، وسيأتي وعد ربنا سبحانه. اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد القهار، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله القوي الكبير المتعال، اللهم إنا نسألك يا مجري السحاب، يا منزل الكتاب، يا هازم الأحزاب، أن تهزم اليهود، وأن تردهم على أدبارهم صاغرين، اللهم زلزلهم، وألقي الرعب في قلوبهم، وشردهم، واجعلهم وأموالهم وأنفسهم غنيمةً للمسلمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، اللهم إنا نسألك أن تجعل وطأتك عليهم شديدة يا رب العالمين، اشدد وطأتك على يهود، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم ائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم اجعل أخذك لهم شديداً، اللهم باغتهم بجندٍ من عندك، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تزيل قوتهم، اللهم إنا نسألك في هذا اليوم العظيم أن تهزمهم وأنت على كل شيء قدير، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، وأنت القوي الكبير المتعال، وأنت الجبار، وأنت على كل شيء قدير. اللهم إنا نسألك أن تنجي المستضعفين من المسلمين، اللهم أنجي إخواننا المسلمين في غزة والأرض يا رب العالمين، اللهم ارحم موتاهم، وتقبلهم عندك شهداء، اللهم اشف مرضاهم وأبرئ جرحاهم، اللهم اجعل من بعد خوفهم أمناً، اللهم اجعل لهم من بعد خوفهم أمناً، ومن بعد استضافهم تمكيناً، ومن بعد ضعفهم قوةً ومنعةً يا رب العالمين، اللهم يا من بيده مفاتيح الفرج عجل فرج إخواننا يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تغفر لنا أجمعين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح الأئمة وولاة الأمور يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم إنا نسألك أن تعاملنا بلطفك ورحمتك، وأن تصرف عنا عقوبتك، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وانشر رحمتك علينا يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.