تحبيب المسجد إلى أهل الحي

تحبيب المسجد إلى نفوس أهل الحي

تحبيب المسجد إلى نفوس أهل الحي

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الحمد لله المتفضل بالمزيد والإنعام, جعلنا خير أمة أخرجت للناس, والشكر له كما هدانا للإيمان, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن للمساجد عند المسلمين مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة؛ إذ فيها تقام الشعائر التعبدية كالصلاة, وعند المسجد الحرام تؤدى العمرة والحج, وكانت الجيوش تجيَّش من المسجد، وتنطلق إلى غزو المشركين, ومن المساجد تخرج العلماء, وفيها يدَّرس العلم, وبها حلقات القرآن عامرة, ولأجل ذلك كله فإنه ينبغي تحبيبها إلى الناس، وتعريفهم أن الغاية التي خلقوا من أجلها هي عبادة الله – تبارك وتعالى – قال الله – تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}1، وأن من أهم العبادات عبادة تؤدى في المسجد وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، إنها الصلاة, وتعريفهم بفضل الصلاة جماعة حيث ورد في فضل صلاة الجماعة حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي – يعني – عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه))2, وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))3 وغيرها من الأحاديث.

ومن الأشياء التي تحبب المسجد إلى أهل الحي إيجاد لوحة تكريمية في المسجد لأسماء أهل الحي، وتعلق فيها مثلاً أسماء أبناء الحي المحافظين على صلاة الفجر، وكذا إقامة حفل تكريمي شهري أو سنوي للمحافظين على صلاة الفجر, ثم حفل آخر للأبناء الذين يدرسون في الحلقة الموجودة في المسجد, والقيام بمسابقات علمية لأهل الحي، وتقسيمهم إلى فئات: فئة الآباء للكبار, وفئة الأبناء للصغار، وتكريمهم.

ومن الأشياء التي تحبب المسجد إلى قلوب أهل الحي إيجاد إمام حسن الصوت، جيد في إلقائه، جيد في تعامله مع الناس، مما يجعل الناس يحبونه, ويأتون إلى المسجد يحتفون حوله، ويدفعون أبناءهم إليه لتعليمهم، فإذا ما كان الأمر كذلك فعليه أن يستشعر الأجر العظيم من الله – تبارك وتعالى – فأن الدال على الخير كفاعله، وهو دالٌّ على الخير، ومرشد إليه ففي حديث أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: "إني أبدع بي فاحملني فقال: ((ما عندي))، فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))4, وعن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرَّة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عُرِفَ السرور في وجهه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء))5.

هذه بعض الأمور التي تحبب المساجد إلى أهل الحي، وتُعَرِّفهم المكانة العظيمة لها عند المسلمين، وعظم منزلتها عند الله، فإن – تبارك وتعالى – هو الذي فضّل المساجد، ورغَّب في بنائها وعمارتها حساً ومعنى، وجعل أصل وظائفها ذكره، وإقام الصلاة له، وهى أهم أركان عبادته بعد الشهادتين اللتين هما أصل عبادته وذكره كما قال الله – تبارك وتعالى -: {فِي بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ ترفع وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِحُّ لَهُ فِيهَا بِالغدُوِّ والآصال رِجَالٌ لا تلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلا بيع عَنْ ذِكر الله وإقَامِ الصلاةِ وإيتَاءِ الزًكَاةِ يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار}6, وفي الآية أن الله – تبارك وتعالى – وهو مالك كل شيء؛ قد نسب المساجد إليه فليست هي لأحد سواه، كما أن العبادة التي تكون فيها مما كلف الله عباده إياها لا يجوز أن تصرف لغيره قال – تعالى –: {وَأن المَسَاجد الله فلا تَدعُوا مَعَ الله أحداً}7.

نسأل الله – تعالى – أن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين بمنِّه وكرمه، إنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


 


1 سورة الذاريات (56).

2 رواه البخاري في صحيحه برقم (465)واللفظ له؛ ومسلم برقم (649)بلفظ: ((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته..)).

3 رواه البخاري في صحيحه برقم (619).

4 رواه مسلم في صحيحه برقم (1893).

5 رواه مسلم في صحيحه برقم (1017).

6 سورة النور (36-38).

7 سورة الجن (18).