الشباب في عصر السلف

الشباب في عصر السلف

الشباب في عصر السلف

الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، ثم الصلاة والسلام على خير خلقه وأكرم رسله أما بعد:

فانطلاقاً من قول الله – تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}1، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))2، اعتنى السلف الصالح بالشباب اعتناء واضحاً بيِّناً يظهر من خلال مواقفهم العظيمة، وآرائهم السديدة، وتربيتهم الناجحة، ومن ذلك:

أولاً: تربيتهم على العبادة:

من توحيد وصلاة وصيام، فقد كانوا يعلمونهم قول: لا إله إلا الله، قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة"، و"كان عروة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه، والصلاة إذا عقلوا"، ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة؛ فقد روت عائشة – رضي الله عنها – أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبونهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية، وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة روى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت مُعوِّذ قالت: "فكنا نصومه ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار".

ثانياً: تربيتهم بالقدوة:

فقد ذكر ابن الجوزي عن نفسه أنه كان يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم، وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركت".

ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفاً عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم، وخاصة إذا كان الخدم غير ملتزمين بالإسلام، أو أنهم من غير المسلمين كما هو في زماننا الذي فشا فيه هذا الأمر وانتشر لاسيما في بعض البلدان التي تعيش حياة الترف، وكم من القصص والأحداث التي ضُيع فيها الشباب نتيجة التساهل في هذا الجانب المهم.

ثالثاً: تربيتهم على العلم والأدب والخير:

وهذا من تمام القيام بالأمانة التي يوليها الوالدان، جاء في الأثر: "ما نحل والد ولداً من نِحَل أفضل من أدب حسن"، كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم؛ فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: "قال لي أبي: يا بنيَّ اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا".

وأرسل معاوية – رضي الله عنه – ابنه يزيد إلى عالم، فعلمه العربية، وأنساب قريش والنجوم، وأنساب الناس، ولما دفع عبد الملك وُلْده إلى الشعبي يؤدبهم قال: علمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، وحسِّن شعورهم تشتد رقابهم، وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام.

ومن الأمور التي كان يعتني بها السلف الجرأة على طرح الأفكار، والمشاركة، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله، وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص – رضي الله عنه – على حلقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم".

بل كان ابن شهاب الزهري – رحمه الله – يشجع الصغار ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم".

رابعاً: الاعتناء بالموهوبين والمبدعين:

قال ابن القيم – رحمه الله -: "إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له من العلم، ولم يخلق له، ومكنه من أسباب الفروسية، والتمرن عليها؛ فإنه أنفع له وللمسلمين".

ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية مثلاً فإن الأولى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي؛ فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفاً، وهو أول مجالسه – رحمه الله -.

وكانوا يحببون العلم إلى الصغار بالاحتفال بهم، قال أبو خبيب الكرابيسي: "كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكُتَّاب، فحذق الصبي، فأتينا منزلهم، فوُضع له منبر فخطب عليه".

وقال يونس: "حذق ابن لعبد الله بن الحسن فقال عبد الله: إن فلاناً قد حذق، فقال الحسن – رضي الله عنه-:كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً، وصنعوا طعاماً للناس".

خامساً: الاعتناء بصحتهم:

من ذلك أنه حرص – صلى الله عليه وسلم – على ألا يتعرض ابناه – الحسن والحسين – للمكث الطويل تحت الشمس؛ فقد روى الحاكم من حديث فاطمة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتاها يوماً فقال: ((أين أبنائي؟)) فقالت: ذهب بهما علي، فتوجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجدهما يلعبان في مشربة، وبين أيديهما فضل من تمر، فقال: ((أيا علي ألا تقلب ابنيَّ قبل الحر؟))3.

وعن عائشة – رضي الله عنها -: أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن ينحي مخاط أسامة، قالت عائشة: دعني حتى أكون أنا الذي أفعل، فقال: ((يا عائشة أحبيه فإني أحبه))4.

ومن ذلك منع الصبي من الخروج وقت انتشار الشياطين حتى لا يؤذوه؛ فقد روى البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((وأكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشاراً))5.

اللهم احفظ شبابنا من شياطين الإنس والجان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


 


1 التحريم (6).

2 رواه البخاري برقم (583).

3 رواه الحاكم برقم (4774).

4 رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني.

5 رواه البخاري برقم (3138).