تفعيل الحلقات القرآنية
الحمد لله الذي أعلى بالقرآن قدراً، وأعظم به أجراً، ووضع به وزراً، ورفع به ذكراً، والصلاة والسلام على أشرف من علمه، وأذكى من فهم وأفهمه، وعلى آله وصحبه الذين ترجموا القرآن واقعاً، واتخذوه إلى جميع المكرمات دافعاً، فسعدوا به في الدنيا نهجاً وفي الآخرة شافعاً، أما بعد:
فما أحوج الناس اليوم إلى العودة إلى القرآن الكريم فهو النور الذي لا يخبو، والطريق الذي سالكه لا يكبو، وهو المائدة التي تشبع من أقبل عليها، وتسعد من جلس إليها، وهو الحل لكل مشكلة، والمخرج من كل معضلة، وهو طمأنينة للنفس، وراحة للقلب.
كانت البشرية تعيش قبله في دروب مظلمة متخبطة، إلى أن جاء هذا القرآن فأضاء لها الطريق، وأرشدها إلى الصراط المستقيم، وما هي إلا سنوات قلائل حتى سار الصحابة الكرام يجوبون الفيافي، ويقطعون القفار؛ حاملين مشعل الهداية والتوحيد للبشرية، فكانت أبدانهم ودماؤهم، وأموالهم وأرواحهم ثمناً لذلك.
ثم دار الزمان دورته حتى بدأت بشائر النور تلوح في الأفق، تشعر جيل الصحوة وحاملي لوائها أن نجاة الأمة وفلاحها وطريق عزها هو في العودة إلى القرآن الكريم، وتدارسه، وتعلمه، وتعليمه.1
ونظراً لما تشهده حلقات التحفيظ من الإقبال المتميز والمتزايد أحببنا أن نقدم بين أيديكم هذه المقترحات والملاحظات من أجل فاعلية أفضل في الحلقات القرآنية، ومنها:
1. ما يتعلق بدور المعلم: فإنه لا يخفى على عاقل ما للمعلم من دور في تطوير وتفعيل الحلقات القرآنية، إذ أن دوره يعتبر الدور الرئيس الأول، لأن المعلم بيده – بإذن الله – كل أمور الحلقة، فهو يستطيع أن يقدم الحلقة أو يؤخرها، يستطيع أن يرقى بها أو يميتها، ونستطيع أن نوجز دور المعلم فيما يلي:
أ- استشعاره وإحساسه بالمسؤولية، فهذه إن كانت موجودة في المعلم فلا تسأل عن شيء بعدها، ونحن نعرف من المعلمين من يحمل هم الحلقة حيثما كان، وهذا سر نجاحهم، ونعرف آخرين دون ذلك بكثير، ولا يتعدى دورهم في الحضور والانصراف.
ب- حضور الصلاة في الحلقة، ولك أن تقارن بين مدرس يصلي المغرب والعشاء في حلقته، وربما زاد بعد العشاء ما شاء الله، ومدرس آخر يصلي المغرب قريباً من بيته، ثم يركب سيارته، ويتجه إلى الحلقة فيدخل يصلي الركعتين، ثم يجلس، وقبل الأذان بحوالي “10” دقائق يخرج ليتوضأ أو ليؤذن في مسجده، كم الفرق بين وقت الحلقتين؟!.
ج- ترك المزاح الكثير، والتحلي بالوقار، والترفع عما في أيدي الناس.
د- عدم ترك المعلم بعض الأحكام تفوت على الطالب مما يكون له أثر كبير على قوة الأداء في الحلقة.
هـ- إتقان القرآن كاملاً، والعلم بأحكام التجويد حتى يكون رده صحيحاً.
و- عمل خطة للتسميع تستوعب جميع الطلاب يومياً، ويراعي فيها المتقدمين في الحفظ بصفة خاصة دون إهمال لبقية الطلاب؛ لأن العدل مطلوب.
ز- تنظيم الحلقة بحيث لا يكون هناك مجال للحديث بين الطلاب، وأيضاً يراعي فيه فصل الصغار عن الكبار، ويراعي الرؤية لجميع الطلاب، ويراعي عدم التشويش، وأيضاً تنظيم الذهاب لدورة المياه.
ح- اهتمام المعلم بالتلقين يومياً من أسباب تقدم الطلاب في الأداء.2
2. توفير المكان المناسب بحيث تتوفر فيه الشروط التي تساعد على استمرار الحلقات.
3. توفير وتوظيف المدرس الناجح الذي يتمتع بصفات المدرس الناجح المخلص.
4. اتباع نظام الحوافز وأدوات التشجيع: إذ أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، والله أعد لعباده المؤمنين جنات النعيم التي وصفها في كتابه الكريم، وفي سنة المصطفى ﷺ جزاء لما يعملون في الدنيا، ومن هنا فإن طالب التحفيظ يفرح عندما تقدم له هدية تقديراً لصفة أو مجموعة من الصفات التي يتمتع بها.
5. اختيار الهدايا والجوائز بناء على خطة مدروسة بحيث تؤتي ثمارها، وبالتالي تؤدي إلى الإبداع لدى جميع الطلاب؛ مما يؤدي إلى نتائج أفضل، وتخريج حفظة أكثر بعون الله تعالى.
6. عقد لقاءات مع أولياء الأمور، فولي الأمر هو الطرف الرئيس المهم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وعندما يكون القصد هو الإبداع في طرق التدريس فيجب أن لا يغفل دور ولي الأمر في هذا الموضوع؛ لذلك يجب التخطيط لعقد لقاء موسع مرة على الأقل في كل شهر أو في كل شهرين، بحيث يتم فيه مناقشة مشكلات الأبناء الطلاب مثل: الغياب، وقلة الحفظ، ونسيان ما يحفظ وغيرها من المشكلات.
7. الاتصال بالمبدعين من الحفاظ والمتعلمين، لعل الاتصال بالمبدعين في علوم القرآن الكريم وخاصة في حفظه وتلاوته، وكذلك بالدارسين الذين تكتشف فيهم عناصر الإبداع.
8. اتباع طرق جديدة بين الحين والآخر تبعد الطلاب عن شبح الروتين.
9. أن تكون الأنشطة ذات أهداف محددة، وواضحة، ونافعة، ومزيلة للملل.
هذه بعض المقترحات التي ينبغي لإدارة التحفيظ أن تتبناها ليسلك التحفيظ مسلكاً حسناً – إن شاء الله تعالى -، وفي الختام نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.