دور ولي الأمر تجاه حلقات التحفيظ

دور ولي الأمر تجاه حلقات التحفيظ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن المتصدي لتعليم كتاب الله – تبارك وتعالى – لا شك أنه يدخل في الخيرية التي قال عنها النَّبِيّ  : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ1، وفي رواية: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ2، وكذلك يكون ممن اختصهم الله بهذا الشرف والميراث العظيم كما قال – تعالى -: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ3.

ولما انشغل كثير من الناس بأمور دنياهم عن دينهم نهضت فئة من الأمة أراد الله لها هذه الخيرية، ووفقها لكي تكون عاملة على نشر كتابه وتعليمه صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، ولما كانت هناك بعض العقبات أمام هذه الحلقات القرآنية على اختلاف أشكالها وألوانها؛ كان لا بد من إشراك أولياء الأمور في هذه العملية التربوية القرآنية حتى لا يكون طالب التحفيظ مجرد ذاكرة تحفظ دون عمل، أو أن يكون ساعياً لتعلم كتاب الله ولا يجد من يرغبه ويشجعه في البيت، وكذلك يكون تنبيهاً للأسرة؛ لكي تجتهد في تعلم القرآن، وقراءته في البيوت بعد أن قلَّ ذكر الله – تبارك وتعالى – في البيوت.

إيصال الرسالة:

لا ريب أن معلم الحلقة هو من يناط به دور التبصير لأولياء الأمور، وتثقيفهم بواجبهم المطلوب تجاه أبنائهم المنضويين في محاضن القرآن؛ متى ما أتيحت له فرصة التحدث مع ولي الأمر، أو من خلال تنسيق استضافة جماعية لأولياء الأمور، وتلقى كلمة توعوية في هذا الصدد، ولا بأس أن يتعمد ولي الأمر بالزيارة في حالة كثرة اعتذاره عن الحضور؛ لما يترتب عليها من مكاسب تخدم رسالة التحفيظ تجاه الطالب.

منبت المشكلة:

وقبل أن نخوض في استعراض هذه الواجبات يجدر بنا أن نلقي نظرة سريعة على أهم العوامل التي تعوق أولياء أمور الطلاب عن أداء واجبهم تجاه حلقات القرآن الكريم، أو تقلل من فاعليتهم في المشاركة، والتفاعل مع المعلم، مع طرح بعض تصورات العلاج.

وهي ثلاثة عوامل رئيسة:

1- المستوى التعليمي المتدني لبعض أولياء الأمور، أو انتشار الأمية بينهم، وحاجتهم للوعي الكافي بأثر الحلقة في التعليم والتوجيه4، وعلاج ذلك: يكون بنشر الوعي بينهم عن طريق: الدروس في المساجد، وخطب الجمعة، وعقد الندوات، وتوزيع الكتب والنشرات التي تهتم بالقرآن، وتبين أثره في توجيه الشباب، وتعليم الأمة.

2- الظروف المعيشية الصعبة للبعض منهم، والتي تشغله إلى آخر اليوم، فلا يتفرغ لمتابعة أبنائه، أو السؤال عنهم، وينبغي حينها تأمين البديل من الأسرة، والقادر على متابعة الطالب.

3- النظرة المخطئة لدى بعض أولياء الأمور تجاه التحفيظ في الحلقات، والاتهام لها بالقصور أو الفشل – عموماً – ربما نتيجة تجربة مخفقة مرَّ بها الطالب مثلاً، أو نتيجة التأثر بالأفكار والمبادئ الهدامة.

وهذه تعالج برؤية الثمار اليانعة، والنماذج الرائعة من طلاب التحفيظ، وإبرازها للمجتمع قرآناً يمشي على الأرض قولاً  وعملاً، ولننتقل الآن إلى استعراض واجبات ولي أمر الطالب تجاه الحلقات:

واجبات ولي الأمر تجاه ولده:

إن بعض أولياء الأمور – وهم قلة – لا يريدون من إلحاق أبنائهم بحلقات كتاب الله ​​​​​​​ أو مختلف الميادين التربوية إلا التخفف من واجباتهم، والتهرب من مسؤولياتهم، وبعضهم يرى أنه قد أدى دوره كاملاً بإحضار ولده إلى الحلقة، وقد قال أحدهم: “أنا عملت الذي علىّ، والباقي على الله ثم عليكم”.

إن هذا الأمر لا ينبغي أن يقرَّ الوالد عليه – بحال من الأحوال -، فمسؤوليته دائمة لا تنقطع، لذا كان من أولى الواجبات الملقاة على عاتق أولياء أمور الطلاب: أولاً: المتابعة لذويهم بالسؤال عنهم، والزيارة الدورية لهم، والمشاركة الفعالة مع المعلم في إزالة العقبات، وحل المشكلات التي تنشأ في طريقهم. ومن شروط هذه المتابعة:

التوازن والاعتدال فيها، وعدم الغلو والإفراط، فإن بعض أولياء أمور الطلاب يبالغون أحياناً فيسألون عن أبنائهم في كل صغيرة وكبيرة، ويحضرون في الأمور المهمة وغير المهمة، ويقيمون الدنيا ويقعدونها إذا انزعج خاطر الطالب بشيء، فهؤلاء ينبهون إلى الآثار السلبية الناتجة عن مثل هذا الغلو في الاهتمام من شعور الطالب بشيء من التمييز عن أقرانه، والذي يمنعه من قبول الحق، أو الإذعان إليه.

ومن شروطها أيضاً: البحث من قبل الولي عن أقران من يلي أمره ورفقائه، والسؤال عنهم وعن أخلاقهم، والإشراف على عملية اختيارهم، وأسباب ذلك وثماره الإيجابية لا تخفى على أحد.

ثانياً: تجنب استخدام أساليب الضغط والقسوة سواء المادية منها والمعنوية5، والتغيير إلى وسائل التحفيز ما أمكن – وحسب المقام والحاجة -، ولا أنجح في هذا المقام من استخدام أسلوب الحوار الهاديء؛ لتوليد القناعة الباعث الذاتي لدى الناشيء في الإقبال على القرآن الكريم، ودوام الصلة به.

والثالث: تهيئة المناخ المناسب في البيت لدى عودة الطالب إليه، وتمكينه من الاستفادة من الوقت في استحضار الواجبات، وتمكين الحفظ، وتحسين النطق بالقرآن الكريم. والرابع: توجيهه إلى الآداب التي يجب عليه اتباعها نحو معلمه في الحلقة من الاحترام والطاعة، ونحو زملائه من الأخوة والمحبة، ومتابعته فيها.

وأخيراً: فإن من واجبات الأب تجاه ولده طالب القرآن الكريم ألا يبخل عليه بشتى أنواع الدعم المادي والمعنوي، فمن رغب إلى ربه أن يجعل له من ذريته قرة عين؛ لم يبخل على ولده بما ينفق عليه في تعليم القرآن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وآله وصحبه.


1 رواه البخاري برقم (4639).

2 رواه البخاري برقم (4640).

3 سورة فاطر (32).

4 قضايا ومشكلات في المناهج والتدريس لحسن مختار (ص94).

5 إلا في حالات الضرورة الملحة فله ذلك، وليكن الترهيب بالأمور المعنوية قبل المادية، فإن وقعها في النفس أشد وأبقى، قال الرشيد يوماً لمؤدب ولده: “وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباها فعليك بالشدة والغلظة”.