الإسلام في كوسوفا يرنو لمستقبل أكثر رسوخاً عبد الباقي خليفة 22/4/1429هـ
رغم أن الإسلام دخل إلى كوسوفا قبل البوسنة بفترة طويلة نسبياً وهي 74 عاماً؛ إلا أن المؤسسات الإسلامية في البوسنة أكثر رسوخاً من الناحية التاريخية والتنظيمية، وعلى مستوى العطاء والتأثير الإيجابي في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، ويعود ذلك في نظر رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش في لقائه مع موقع "المسلم" إلى أمرين: "غلبة الانتماء الديني لدى البوسنيين، وشدة العامل القومي عند الألبان، ثم أسبقية إنشاء المشيخة الإسلامية في البوسنة على نظيرتها الألبانية في كوسوفا".
لقد دخل الإسلام إلى كوسوفا عام 1338م رغم أنه كان من بين الألبان مسلمون قبل دحر القوات العثمانية للصرب في كوسوفا، وهو ما ينطبق على البوشناق في البوسنة، والذين كان من بينهم مسلمون قبل أن يدخلوا في الإسلام أفواجاً منذ الفتح العثماني عام 1463م، ورحب رئيس العلماء في البوسنة بالتعاون مع مسلمي كوسوفا سواء لإعداد الكوادر واستقبال الطلبة الألبان، أو في أي مجال آخر بهذا الخصوص؛ لجعل الإسلام أكثر رسوخاً لدى المسلمين.
وتبلغ مساحة جمهورية كوسوفا إلى نحو 11.000 كلم مربع، وعدد سكانها 2.500.000 حسب إحصائيات 1991م، فيما تبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفا حوالي 92 في المئة، والأقليات في كوسوفا نحو 8 في المئة وهم الصرب، والمونتنيغريين، والبوسنيين، والأتراك، والغجر.
ويعتبر الإسلام الدين الرسمي في كوسوفا حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99 في المئة، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جداً تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفا.
إن العوامل التي تجعل الإسلام أكثر رسوخاً كما يراها مفتي كوسوفا نعيم ترنافا هي "الاستقلال الذي أعلن عنه في 17 فبراير الماضي والذي يمكن 97 من المئة من سكان كوسوفا من حرية التدين، والمساجد التي أعيد ترميمها أو بنيت حديثاً ويزيد عددها الآن عن 700 مسجد، والطلبة في الكلية الإسلامية والمدارس الثانوية الإسلامية الخمسة والذين يزيد عددهم عن 1550 طالباً، منهم 600 طالب وطالبة في الكلية الإسلامية سيكونون دعاة في المستقبل داخل كوسوفا".
ولا يميل مفتي كوسوفا كثيراً للاعتقاد السائد بأن "الألبان يغلب عليهم الانتماء القومي"، ويرى بأن "الإسلام تعرض لتغييب طويل داخل كوسوفا، ترك فيها الكثير من الناس أداء الفروض، لكنهم لم ينسوا أنهم مسلمون، كما لم ينسوا أنهم ألبان، وربما يأتي الاعتقاد بأن الألبان قوميون أكثر منهم مسلمون كون القومية ليس لديها طقوس معينة تؤدى في أماكن معينة كالمساجد".
وأشار المفتي إلى أن الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل: العيدين، وخلال شهر رمضان "تعزز من أهداف ترسيخ الإسلام لدى شعب كوسوفا ولاسيما الشباب، والكثير من الطلبة ينقلون أجواء الاحتفالات إلى بيوتهم، كما يحضر تلك الاحتفالات والأنشطة العديد من المسلمين الذين أبعدوا عن دينهم دهراً طويلاً"، وأكد المفتي الشيخ نعيم تيرنافا على أن "المشيخة الإسلامية تعمل على إنشاء 30 داراً لحضانة الأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية منذ الصغر".
وعن مغزى الاحتفالات التي تمت في كوسوفا العام الماضي بمناسبة مرور 600 عام على دخول الإسلام إلى كوسوفا قال: "إنه تذكير للشعب بأنه مسلم، وتذكير العالم بأننا مسلمون راسخون في المكان والزمان، فنحن هنا الأصل، فنحن شعب أوروبي، والإسلام الذي نعتنقه مر على وجوده في هذا المكان أكثر من 600 عام"، وعما إذا كان الاحتفال سيستمر سنوياً، ذكر بأن ذلك متروك لتقويمات أهل الرأي في المشيخة الإسلامية.
وعن دور علماء الإسلام في بلورة مشروع الاستقلال قال مفتي كوسوفا: إن "الأئمة المسلمون هم الآباء المؤسسون لحركة التحرير الألبانية، والتي انطلقت من جامع محمد باشا في بريزرن في 10 يونيو 1878م، ويعد المفتي عمر مدرسي إلى جانب أئمة مرموقين آخرين من أهم شخصيات حركة التحرر الوطني الألبانية".
وعن المساجد والمؤسسات الإسلامية التي تعرضت للعدوان على يد الصرب أثناء المواجهات التي تمت في سنتي 1998م و1999م قال المفتي الشيخ نعيم ترنافا: "لقد تعرضت الكثير من المنازل والمساجد للهدم والحرق منها أكثر من 100 مسجد، وكانت أوامر هدمها وحرقها تتم من قبل السلطات الدينية والسياسية الصربية، بينما جرت ردود الأفعال الألبانية من قبل أشخاص، وهذا ما تدركه الجهات الدولية في كوسوفا، فنحن ندين أي عمل يستهدف أماكن العبادة للآخرين".
وحول مشاركة الألبان في الحج قال المفتي: إن "هناك نحو ألفي حاج من كوسوفا يؤدون فريضة العمر سنوياً، ونأمل أن يرتفع العدد في المستقبل، كما نأمل أن يعفى أبناء الأقليات الإسلامية والدول التي تعيش أوضاعاً خاصة مثل كوسوفا من نظام الحصص المعمول به في الحج"، وعن المساعي الجارية لتدريس الإسلام في المدارس الحكومية – ولاسيما الابتدائية والثانوية – جدد المفتي حرصه الخاص وحرص المشيخة الإسلامية على "حق الطلبة المسلمين وغيرهم في تعلم دينهم داخل المدارس الابتدائية أسوة بمختلف الدول المجاورة مثل صربيا، وكرواتيا، والبوسنة، ومقدونيا وغيرها والتي تدرس للطلبة مادة الدين في مدارسها"، واعتبر القضية مسألة وقت لأن الدستور في كوسوفا ينص على حرية التدين والعبادة، "ونعتقد بأن تدريس الإسلام لأبناء المسلمين يدخل في صلب هذا المبدأ الذي نرجو ترسيخه في أقرب وقت ممكن"، وأبدى المفتي تفاؤلاً بهذا الخصوص لاسيما وأن المشيخة الإسلامية في كوسوفا تمثل نموذجاً فريداً للتسامح والتعايش بين مختلف الطوائف والأديان، "والأفضل أن تتولى المشيخة الإسلامية مسؤولية توجيه النشء وتعليمه مبادئ دينه لأن تركه يعني الاستقاء من منابع أخرى".
ويبدو أن هذا هو التوجه الجديد في أوربا والغرب وهو دعم المسارات والتوجهات الإسلامية المعتدلة والديمقراطية في العالم لتجنب الانفجار أو الانحراف عن المسارات الصحيحة للأديان، أو ما يعبر عنه باختطاف الدين، أو تجفيف ينابيعه على حد سواء.
ووجه مفتي كوسوفا الشيخ نعيم ترنفا نداءاً للدول والمؤسسات والهيئات الإسلامية للاهتمام بمستقبل كوسوفا ومعركة الهوية فيها وسط أخطار تتهدد التركيبة الدينية، حيث تستغل الكثير من الجهات أوضاع كوسوفا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتغيير تركيبته الدينية والثقافية خدمة لأهداف جيواستراتيجية تكرس مشروع الهمينة على كوسوفا على مختلف الأصعدة "نحن نواجه تحديات كثيرة، وإمكانياتنا قليلة جداً، ولا ندري ماذا سيجري لو لم نتدارك الأمر، ونبدأ بمعالجة الوضع".
ويعتقد الكثير من المتابعين لشؤون البلقان أن تأخر إنشاء المشيخة الإسلامية في كوسوفا ساهم إلى حد كبير في تعطيل النهضة الإسلامية وظهور وعي إسلامي على مستوى الشارع في كوسوفا، حيث لم تتأسس المشيخة الإسلامية سوى في سنة 1948م، وكانت فرعاً من المشيخة الإسلامية في عموم يوغسلافيا المنهارة، لكنها أصبحت مشيخة مستقلة عام 1994م، بينما كان تأسيس المشيخة الإسلامية في البوسنة يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، وفي السنوات القليلة الماضية تم الاحتفال بمرور 120 عاماً على تأسيسها، ومع ذلك يوجد في كوسوفا كوادر إسلامية يمكن أن يستفاد منها في عملية الإحياء الإسلامي إذا توفرت البرامج والمساعدات اللازمة كما يقول الكثيرون، وهناك ما يزيد عن العشرين أستاذاً من أساتذة الكلية الإسلامية يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة.
المصدر: http://www.almoslim.net