أحكام السهو

أحكام السهو

أحكام السهو

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، القائل في كتابه المبين: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}1، ثم الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير القائل: ((رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه))2 أما بعد:

فإن السهو من الأحكام الطارئة على المصلي سواءً كان إماماً أو مأموماً؛ لأن الكمال لله – سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}3، ولما كان من الأحكام الطارئة حتماً على كل أحد لم يسلم منه النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو أفضل الخلق، ولم يسلم منه الصحابة الكرام وهم أفضل البشرية بعد الأنبياء؛ فلما كثر حدوثه؛ تعددت صوره، ولما تعددت صوره؛ تنوعت أحكامه، ولذلك وجب على المصلي أن يعرف أحكامه وأسبابه، ومتى تبطل به الصلاة؟ ومتى يبطل كمالها؟ وماهي صوره؟

وإن المتأمل في سنة رسول  الله- صلى الله عليه وسلم -، وأقوال أهل العلم؛ يجد أن سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة:

1- الزيادة.

2- والنقص.

3- والشك.

فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً.

والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركناً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة.

والشك: مثل أن يتردد فلا يدري كم صلى ثلاثاً أم أربعاً.

أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد في الصلاة ركوعاً أو سجوداً، أو قياماً أو قعوداً؛ متعمداً بطلت صلاته؛ لأنه أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله – تعالى-، ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))4، أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلّم النبي – صلى الله عليه وسلم – من الركعتين في إحدى صلاتي العشي – إما الظهر وإما العصر – فلما ذكّروه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – بما بقي من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعدما سلم5، وكذلك حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك؟)) قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين.6

وأما النقص: فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة فلا يخلو من أحد أمرين:

الأول: إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده، ومثاله: لو أن رجلاً قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس، ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقي من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام.

الثاني: أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، ومثاله: لو أن رجلاً قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى، ولم يسجد السجدة الثانية، ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية، ففي هذه الحالة تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو.

وأما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً، وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه مثل: أن ينسى قول "سبحان ربي الأعلى"، ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود؛ فهذا قد ترك واجباً من واجبات الصلاة سهواً، فيمضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته، ولم يرجع، وسجد للسهو قبل السلام.7

وأما الشك: وهو التردد بين الزيادة والنقص مثل: أن يتردد فلا يدري هل صلى ثلاثاً أم أربعاً فلا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: إما أن يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة أو النقص فيبني على ما ترجح عنده، ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام مثال ذلك: لو أن رجلا صلى الظهر، ثم شك هل هو في الركعة الثالثة أم الرابعة، وترجح عنده أنها الثالثة فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو.

الحالة الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيبني على اليقين، وهو الأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام، ومثاله: لو أن رجلا صلى الظهر فشك هل هذه الركعة الثالثة أم الرابعة، ولم يترجح عنده أنها الثالثة أو الرابعة، فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم، وبهذا يتبين أن سجود السهو يكون قبل السلام، فيما إذا ترك واجباً من الواجبات، أو شك في عدد الركعات، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، وأنه يكون بعد السلام فيما إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.

اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل، واغفر لنا وللمسلمين، آمين.

والحمد لله رب العالمين.


 


1 – (البقرة: من الآية286).

2 – رواه ابن ماجة برقم (2043).

3 – (الشورى: من الآية11).

4 – صحيح مسلم رقم (1718).

5 – صحيح البخاري رقم (482)، وصحيح مسلم  رقم (573)،

6 – صحيح البخاري رقم (404)، وصحيح مسلم رقم (572)

7 – صحيح البخاري رقم (1224)، وصحيح مسلم رقم (570).