حكم الاستماع للأذان وإجابة المؤذن
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكم الاستماع للأذان وإجابة المؤذن بالقول، بعد اتفاقهم على مشروعيته، وذلك على قولين:
القول الأول: أنه يجب الاستماع للأذان، وإجابة المؤذن؛ وهو مذهب الحنفية ورأي لبعض المالكية1، وعليه فإنه ينبغي ألا يتكلم السامع في حال الأذان، ولا يشتغل بقراءة القرآن، ولا بشيء من الأعمال؛ سوى الإجابة، ولو كان في القراءة فينبغي أن يقطع، ويشتغل بالاستماع والإجابة2، ودليلهم من السنة حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل مايقول المؤذن))3، ووجه الدلالة: أنه أمر بالقول مثل ما يقول المؤذن، والأمر للوجوب، ولم تظهر قرينة تصرفه عنه إلى غيره4.
المناقشة:
نوقش بعدم التسليم أن الأمر في هذا الحديث للوجوب؛ لأنه قد وجدت قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، والقرينة هو ما روى أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك؛ وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((على الفطرة))، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خرجت من النار))، فنظروا فإذا هو راعي معزى5، ووجه الدلالة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمع المنادي فقال غير ما قال، فدل على أن الأمر ليس للوجوب، وأنه على الاستحباب6.
والجواب من وجهين:
الأول: ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ماقال، فقد يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد7.
الثاني: يحتمل أن يكون الأمر بالإجابة بعد هذه القضية8، أو أن يكون قاله لكن بصوت منخفض لم يسمع، ودليلهم من الآثار: ماروي عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: "من الجفاء أن يسمع الأذان ثم لايقول مثل مايقول"9، ووجه الدلالة: أنه لن يكون من الجفاء إلا ترك الواجب؛ لأن ترك المستحب ليس من الجفاء، ولا تاركه جافِ10.
ومناقشته من ثلاثة وجوه:
الأول: أنه قول صحابي، وفي الاحتجاج به خلاف بين العلماء11.
الثاني: على فرض كونه حجة فهو ضعيف لا يصح الاستدلال به12.
الثالث: على فرض صحته فإنه يحمل على أن المراد بالإجابة الإتيان إلى الصلاة13.
القول الثاني: أنه يستحب الاستماع للأذان، وإجابة المؤذن، وهو رأي بعض الحنفية، والمشهور عند المالكية، ومذهب الشافعية، والحنابلة14، وعليه فإنه يستحب قطع القراءة والدروس ونحو ذلك عند سماع الأذان، والاشتغال بمتابعته15، ودليلهم حديث أبي سعيد الخدري السابق، وحملوا الأمر فيه على الاستحباب كما في حديث أنس المتقدم.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني القائل بالاستحباب وذلك لوجود قرينة صرفت الأمر عن الوجوب، وسلامة دليل أصحاب القول الثاني من المناقشة، في مقابل مناقشة أدلة القول المخالف، كما يؤيد هذا القول ما روى عن ثعلبة القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر، وأذن المؤذنون – قال ثعلبة – جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد16.
اللهم يسر أمورنا، وأزل غمومنا، وارزقنا وأنت خير الرازقين، والحمد لله رب العالمين.
1 – بدائع الصنائع (ج1ص660) والخرشي على خليل (ج1ص233).
2 – بدائع الصنائع (ج1 ص 660).
3 – رواه البخاري برقم (611)، ومسلم برقم (383).
4 – عمدة القاري (ج5 ص117-118)، وفتح القدير (ج1 ص248-249).
5 – رواه مسلم برقم (328).
6 فتح الباري (ج2 ص 110).
7 – سبل السلام (ج1 ص217).
8 – فتح الباري (ج2 ص110).
9 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (2368).
10 – عمدة القاري (ج5 ص 118).
11 – إرشاد الفحول (ج2ص 187).
12 – لأنه من رواية المسيب بن رافع ولم يسمع من ابن مسعود (مجمع الزوائد ج2 ص 93).
13 – فتح القدير (ج1ص 249).
14 – البحر الرائق (ج1ص272)، والأم (ج1ص88)، والمغني (ج 2ص85).
15 – المجموع (ج3 ص125)، المغني (ج2 ص88).
16 – رواه ملك برقم (233)، وصححه النووي في المجموع (ج4 ص472).