أخلص في البناء

أخلص في البناء

أخلص في البناء

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .. أما بعد:

فلقد حث الله – عز وجل – في كتابه، والنبي – صلى الله عليه وسلم – في سنته؛ على عمارة المساجد،وأنه لا يعمرها إلا من اتصف بصفات معينة زكية، فمن ذلك ما ذكره الله في سورة التوبة إذ يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}1، فهذه الآية تدل على أن من صفات عامر المسجد أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وإنما بنى المسجد كي يلقاه في ميزان حسناته ذلك اليوم، ولخوفه من فزع ذلك اليوم قدم هذا العمل {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}2، وهم مقيموا الصلاة لا يفرطون فيها، وينفقون في أوجه الخير المختلفة، ولا يخشون إلا الله، فوجبت لهم بذلك الهداية، ومن أهم صفاتهم إخلاص العمل لله – عز وجل -، يبنون المسجد لا يريدون بذلك سمعةً، ولا شهرةً، ولا رياءً، بل يريدون وجه الله، وهؤلاء نبشرهم بما جاء عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((من بنى مسجداً لله تعالى  قال بكير: " حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله " بنى الله له بيتاً في الجنة))3، فاستحضار النية مهم جداً، والإخلاص مطلب شرعي يقول الله – تعالى-:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}4، ومما جاء في السنة المطهرة في هذا ما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله – تبارك وتعالى -: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه))5.

فيا أخي: هل ترضى أن تخسر الأموال، وتبذل الجهود والأوقات، ثم يتركك الله وعملك، لا ينظر إليك؛ لأنك تريد ثناء الناس، ولنفترض أنه حصل لك ذلك، فماذا تريد يوم القيامة؟ يوم تأتي أعمال الرياء فيجعلها الله هباءً منثوراً، قال الله – تعالى -: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}6، بل إن مآل صاحب الرياء والسمعة جهنم – نسأل العافية – فعن أبي هريرة – رضي الله عنه –  قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد..إلى أن قال.. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار))7، ولا يعني ذلك أن نترك البناء، بل ينبغي أن نسارع في هذا الخير العظيم، وأن نخلص لله رب العالمين، ولو كان المسجد صغيراً مع النية الصالحة فإن الله يجعل فيه الأجر الكثير فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من بنى مسجداً لله كمفحص قطاة أو أصغر؛ بنى الله له بيتاً في الجنة))8، قال الزركشي – رحمه الله تعالى -: "خص القطاة بالذكر دون غيرها؛ لأن العرب تضرب به المثل في الصدق، ففيه رمز إلى المحافظة على الإخلاص في بنائه، والصدق في إنشائه"9، فيحذر المسلم كل ما يخدش في إخلاصه، بل يوفي بشرط البناء (يبتغي به وجه الله)، قال العلامة بدر الدين العيني – رحمه الله تعالى -: " معنى قوله لله: يبتغي به وجه الله؛ لاشتراكهما في المعنى المقصود وهو الإخلاص، ثم إن لفظة "يبتغي به" على تقدير ثبوتها في كلام الرسول تكون حالاً من فاعل بنى، والمراد بـ"وجه الله" ذات الله، وابتغاء وجه الله في العمل هو الإخلاص وهو أن تكون نيته في ذلك طلب مرضاة الله – تعالى – من دون رياء وسمعة، حتى قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص"10، وجاء التصريح باشتراط ترك الرياء والسمعة في البناء فقد روي عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من بنى مسجداً لا يريد به رياءً ولا سمعةً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة))11، فلنسعى جاهدين إلى الإخلاص ونحن نبني بيوت الله – تعالى – عل الله أن يجعل لنا البيوت في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة التوبة (18).

2 سورة الإنسان (10).

3 البخاري (439)، مسلم (533).

4 سورة البينة (5).

5 مسلم (2985).

6 سورة الفرقان (23).

7 مسلم (1905).

8 ابن ماجه ( 738)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (603).

9 نقله صاحب فيض القدير (6/ 96).

10  عمدة القاري (4/ 213).

11 رواه الطبراني في الأوسط (7005)، قال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب (274).