الشباب من الداخل

الشباب من الداخل

 

الشباب من الداخل

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

إن من أعظم ما افترضه اللهُ علينا تجاه نعمةِ الذُّرية أن نقوم على أمر تربيتهم وتعاهدهم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم؛ولذا فإننا حينما نتحدَّث عن تربية الأبناء؛فإنما نتحدثُ عن أمانةٍ عظيمةٍ ومسئوليةٍ جسيمةٍ.

إنَّ الأبناءَ أمانةٌ ومسئوليةٌ،يقولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-:(كلكم راع,وكلكم مسئول عن رعيته,الإمام راعٍ,ومسئول عن رعيته،والرجل راعٍ في أهله,وهو مسئولٌ عن رعيتِهِ،والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها,ومسئولةٌ عن رعيتِها،والخادم راعٍ في مال سيده,ومسئولٌ عن رعيتِهِ، وكلُّكم راعٍ,ومسئولٌ عن رعيتِهِ)(1) .

إن بعض الآباء يؤدِّي حقوق الأبناء من مطعم وملبس,ويغفل عمَّا هو أهمُّ من ذلك، يغفل عن تأديبهم وتعليمهم وتربيتهم،وقد رُوِىَ عن النَّبيِّ- عليه الصلاة والسلام- الحديث ضعفه الألباني أنه عليه الصلاة والسلام قالَ:(ما نَحَلَ والدٌ ولداً مِن نحل أفضل من أدبٍ حسنٍ)(2) والمعنى أن أفضل ما يهب الوالدُ لولدِهِ حسنُ الأدبِ،ولاشكَّ أنَّ ذلكَ خيرٌ من صنوفِ الأموالِ والهباتِ.

إن التربية من أفضل الأعمال وأقرب القربات،فهي دعوة وتعليم،ونصح وإرشاد،وعمل وقدوة،ونفع للفرد والمجتمع.وكيف لا تكون من أعظم الأعمال وأجلِّها,وهي مُهمَّةُ الأنبياء والرسل,وقد قال-تعالى-:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )(3).

 وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكملُ ويقوى بالغذاء،فكذلك النفس تُخلق ناقصةً قابلةً للكمال؛وإنما تكمل بالتربيةِ وتهذيبِ الأخلاقِ والتغذيةِ بالعلم).

إنَّ مهمَّةَ تربيةِ الأولادِ مُهمَّةٌ عظيمةٌ يجبُ على الآباء أنْ يحسبُوا لها حسابها،ويُعِدُّوا العُدَّةَ لمواجهتها،خُصُوصَاً في هذا الزَّمانِ الذي كثرتْ فيه دواعي الفسادِ،وتنوَّعتْ فيه وسائلُ التأثيرِ،وكَثُرَ إهمال الآباء للشباب فلم يعد يُسأل عنهم،وخرجت البنات مع السائقين،وقل الحزم والغيرة في الرجال،وكل ذلك مقرون مع الإهمال في التربية.

أيها الآباء: إن الله قد أمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، استمعوا إلى التوجيه الإلهي العظيم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(4) .

أيها الأحبة: لقد أهمل كثير من الآباء تربية أبنائهم فهم مشغولون بأعمالهم ووظائفهم, حتى أن بعض أبنائهم وقع في المصائب العظيمة دون أن يشعر بهم آباؤهم,وقد يغترُّ الأبُ بظاهر ابنه,فيظن أن ابنه على خير عظيم,وهو في الحقيقة واقع في المعاصي والسيئات. إن من يجلس مع بعض الشباب,ويعرفهم عن قرب ليرى العجب العجاب: شباب واقعون في المنكرات، قمار، أغاني،معاكسات، لواط،عادة سرية، دخان، مخدرات أفلام مشبوهة،تبادل سيديهات جنسية مواقع إباحية،وخذوا على سبيل المثال قضية شبكة الإنترنت فلقد تنوعت وتعددت مصادر الإفساد للشباب على الشبكة,وتعددت مجالاتها,فتجدها أحياناً جنسية وإباحية ، ومرة تجارة بالرقيق،وأخرى نشر للصور والأفلام المخلة بالآداب،وكذلك تعاطي المخدرات وطرق استخدامها والحصول عليها والعنف وبذاءة الألفاظ والعنصرية والممارسات الشاذة.

كتبت إحدى المجلات (5)عنواناً باسم : ( عالم الإنترنت السفلي.. قرصنة برامج.. إباحية.. مافيا..غسيل أموال.. مخدرات.. قمار..عنصرية .. منظمات الهاكر.. إرهاب.. متفجرات ثم عنونت داخل المجلة:( عالم إنترنت السفلي يناديك، يبسط لك ذراعيه، يلوح لك بكافة المغريات القذرة التي ابتكرها الإنسان عبر التاريخ.. برامج كاملة بالمجان.. صور وأفلام إباحية.. مخدرات.. قمار.. أموال قذرة.. فهل تستجيب ؟) وفي حوار من خلال مجلة(الجندي المسلم ) حول الإباحية في الإنترنت مع د. مشعل بن عبد الله الأستاذ المساعد في معهد بحوث الحاسب الآلي في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قال:(قامت بعض الشركات بدراسة عدد زوار صفحات الدعارة والإباحية في الإنترنت فوجدت إحدى الشركات أن بعض هذه الصفحات يزورها عشرون ألف زائر يومياً، ولذلك صرَّحتْ وزارةُ العدل الأمريكية قائلة : لم يسبق في فترة من تاريخ وسائل الإعلام بأمريكا أن تفشى مثل هذا العدد الهائل من مواد الدعارة أمام هذه الكثرة من الأطفال في هذه الكثرة من البيوت. كما تفيد الإحصائيات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم بطبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت . علماً بأن الدراسات تفيد

أن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 – 17 سنة ) (6)

فيا معاشر الآباء هل تعلمون ماذا يعمل أبناؤكم؟! وماذا يدور بينهم؟ ألا فلنتق الله في أولادنا,ولنحافظ عليهم من الانحراف والمعاصي,فَهُم أمانةٌ في أعناقنا،ولنتنبه لأخطائهم ونعالجها ,قبل أن تستفحل.

 وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلَى نبيِّنا مُحمَّدٍ,وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ. 


 


1 أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب تأويل قول الله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين برقم (2546).

2 أخرجه الترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في أدب الولد برقم (1875) واللفظ له، وأحمد (14856).

3 -(الجمعة:(2).

4 التحريم: (6).

5 في عددها الثاني للسنة الثالثة (إنترنت العالم العربي) نقلاً عن مجلة البيان العدد 172ص 38 .

 

6  مجلة إنترنت العالم العربي في عددها الثاني للسنة الثالثة ص نقلاً عن مجلة البيان العدد 172ص 38.