المكتبات في المساجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد:
إن بيوت الله التي يجتمعُ فيها المسلمون ليؤدوا ما افترضه الله عليهم لها رسالة كبيرة جداً، فهي ليست لمجرد الصلاة فحسب؛ بل رسالة المسجد أعم وأوسع من ذلك، فهي مدرسة للمسلم، يصلي فيها، ويتعلم فيها ما ينفعه في دنياه وآخرته، ولما كان كثير من المسلمين لا تتوفر لديهم مصادر العلم ولاسيما الفقراء منهم، الذين لا يجدون سعة لشراء الكتب التي تعلمهم ما ينفعهم، وتعينهم على معرفة دينهم، وتوسع آفاق معرفتهم، ولاحتياج طلاب العلم الشرعي في أغلب الأوقات لبعض الكتب؛ فقد يطرأ سؤال وهو يقرأ آية من كتاب الله، أو تشكل عليه مسألة وهو في المسجد، فيريد لها حلّاً قبل أن يمضي الوقت، وربما ينساها، فكان ضرورياً أن يكون في كل مسجد مكتبة، وتحتوي هذه المكتبة على الكتب النافعة؛ التي يستطيع أن يستفيد منها المصلون في فهم مبادئ دينهم، وأصول عقائدهم وتشريعهم، وما يُفيدهم في الدنيا والآخرة.
وتحتوي هذه المكتبة على الكتب التي فيها تفسير القرآن، وكتب الحديث الصحيحة، وشروحها، وكتب السيرة النبوية، وكتب العقائد التي تُعنى بالعقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنة والجماعة، وكذا كتب الفقه الصحيح، وكتب التاريخ الإسلامي المجيد، وكتب الأخلاق والسلوك وغيرها من الكتب النافعة.
وقد توجد بعض المكتبات في المساجد ولكنها تضر أكثر مما تنفع؛ لأنها تحوي الكتب التي فيها الشرك بالله، والتأصيل له، وكذا العقائد الفاسدة التي تخالف المعتقد الصحيح، أو الكتب التي تبث الأخلاق الفاسدة، والمبادئ الهدامة، أو الكتب التي فيها وحدة الوجود، والعقائد الزائغة كالحلول، والاتحاد، والغلو الصوفي، وكتب الكلام المملوءة بالفلسفة اليونانية، والمناقضة لعقائد أهل السنة والجماعة، وكتب الدروشة والأحزاب، والفرق الصوفية، والشيعية وغيرها، وكتب الأحاديث الموضوعة، فهذه المكاتب ضررها أكثر من نفعها، وعدمها أفضل من وجودها، ولا كثر الله من أمثالها، فإنها مكتبات ضلالة وشر(1). فليتق الله القائمون على بيوت الله، وينصحوا لله ورسوله ﷺ، ويبينوا هذا الأمر، وأن يأخذوا من الكتب ما ينفع المسلم لا ما يضره.
ولا بد أن يكون في هذه المكاتب قسمٌ خاصٌّ بكتب الأطفال تحتوي على القصص الديني، والسيرة النبوية المبسطة، وكتب التفسير الواضحة السهلة التي يستطيع الأطفال قراءتها وفهمها، وقصص الأبطال من المسلمين، والفتوحات الإسلامية، وما شابه ذلك من الكتب التي يُحبها الأطفالُ، وليس فيها أيُّ ضررٍ.
وكذا يكون في هذه المكتبة قسم خاص بالأشرطة الإسلامية النافعة التي فيها شروح لبعض الكتب للعلماء المشهود لهم بالعلم، أو فيها بعض الدروس المهمة، أو المحاضرات النافعة، التي تعود بالنفع على المسلم، وحتى يتمكن من كان – مثلاً – قد فقد عينيه، أو الذي لا يستطيع القراءة؛ أن يستفيد من هذه المكتبة.
ويكون في هذه المكتبة إمكانية الإعارة – بشرط عدم التضرر – حتى تكون الفائدة أكثر وأكثر.
وإمام المسجد يكون هو المشرف على هذه المكتبة، أو يخول من يكون له الكفاءة في ذلك حتى يدلَّ القارئ على ما ينفعه، ويُعينه على ما يحتاجُهُ، ويعتني بالكتب/ ويحافظ عليها، ويسهل إعارتها للطلبة حسب الإمكان.
وينبغي أن تكون هذه الكتب مصنفة كل فن على حدة، وتكون نسخها من النوع الجيد حتى يصل القارئ إلى ما يحتاجه بسهولة ويسر.
وهذه المكتبات يفضل أن يكون لها مكان خاص بها، ويكون مهيأً، من ناحية الإضاءة الكافية والتهوية وغيرها؛ حتى يأخذ القارئ فيها راحته، ولا يكون متضايقاً من جو هذه المكتبة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 – راجع: (المسجد في الإسلام) لخير الدين وانلي ص 42.