حكم الفصل بين الأذان والإقامة

 

 

حكم الفصل بين الأذان والإقامة 

الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثم الصلاة على خير البرية، وأزكى البشرية، خير من صلى وصام، وسجد لربه ثم قام، أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس عدا المغرب فقد اختلفوا فيه1، وأدلتهم ما يلي:

أولاً من الكتاب العزيز قوله تعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين2.

وجه الدلالة: أنه قد جاء في تفسير هذه الآية أن المؤذن يدعو الناس بأذانه، ويتطوع بصلاة ركعتين بين الأذان والإقامة، وهو مروي عن أبي أمامة الباهلي   وغيره3.

ثانياً من السنة الشريفة: حديث عبد الله بن مغفل المزني   أن رسول الله   قال: ((بين كل أذانين صلاة – ثلاثاً – لمن شاء))4.

وجه الدلالة: دل الحديث على عدم الوصل بين الأذان والإقامة؛ لأن المقصود بالأذانين الأذان والإقامة، ويؤيد ذلك ما جاء من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي كان يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح5، ويؤيده كذلك حديث أبي بن كعب   قال: قال رسول الله  : ((يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي المتوضئ حاجته في مهل))6.

ويدل على هذا حديث جابر بن عبد الله    أن رسول الله   قال لبلال: ((يا بلال، إذا أذنت فترسل في أذانك، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك ما يفرغ الآكل من أكله،والشارب من شربه، والمعتصر7 إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني))8، كما يدل عليه أيضاً حديث جابر بن سمرة   وفيه: كان مؤذن رسول الله   يؤذن ثم يمهل، فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله   قد خرج؛ أقام الصلاة حين يراه9.

ثالثاً: من المعقول:

1- أن الأذان شرع للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة، ويتهيئوا له10،وهذا المعنى لايتم إلا بالفصل؛ إذ لو وصل بين الأذان والإقامة؛ لفاتت الجماعة على الناس11.

2- أن الفصل يمكِّن المصلي من أداء النافلة؛ لأنه لاخلاف بين العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب12.

كم مقدار هذا الفصل:

اختلف الفقهاء في مقدار هذا الفصل فروي عن أبي حنيفة أنه في الفجر بقدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة نحواً من عشر آيات، وفي العصر مقدار ما يصلي ركعتين في كل ركعة يقرأ نحواً من عشر آيات، وفي المغرب يقوم مقدار مايقرأ ثلاث آيات، وفي العشاء كما في الظهر13، وعند الشافعية أن الفصل بقدر ما تجتمع الجماعة14، وزاد بعضهم بقدر أداء السنة التي قبل الفريضة15، أما الحنابلة فإن الفصل عندهم يكون بقدر الوضوء وصلاة ركعتين16.

والراجح  والله أعلم: أن هذا التقدير راجع إلى فقه الإمام واجتهاده الذي عليه أن يراعي ً فيه عدة أمور منها:

1-  الوقت المستحب لأداء الصلاة.

2- اجتماع الناس للصلاة.

3- تمكن المصلين من أداء السنة التي قبل الصلاة.

وفقنا الله جميعاً لكل خير، ودفع عنا كل ضير، ويسر أمورنا، وقضى ديوننا، والحمد لله رب العالمين.


1 – المبسوط (ج 1ص 139).

2 – فصلت (33).

2- تفسير الطبري (ج11 ص110).

4 – أخرجه البخاري برقم (624)، ومسلم برقم (838).

5  – أخرجه البخاري برقم (619)، ومسلم برقم (724).

6 – رواه احمد في مسنده برقم (21610).

7 – المعتصر: هو الذي يريد أن يتغوط ليتأهب للصلاة قبل دخول وقتها (النهاية لابن الأثير ج3 ص223).

8 – أخرجه الترمذي برقم (195)، وقال النووي: إسناده ضعيف (المجموع ج3 ص118)، وقال ابن حجر: فيه عمر بن شمر وهو متروك.

9 – أخرجه أحمد في المسند برقم (21085).

10 – راجع المغني (ج2 ص67).

11 – المهذب مع المجموع (ج3 ص127).

12 – انظر فتح الباري (ج2 ص126).

13 – بدائع الصنائع (ج1 ص150).

14 – المجموع (ج3 ص127).

15 – مغني المحتاج (ج1 ص138).

16 – المغني (ج2 ص67).