الـجـوال
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
إن من علامات ومعجزات نبي الرحمة محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – وقوع ما أخبر به من الأمور الغيبية التي ستكون في المستقبل، فقد جاء عند أحمد في المسند من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمن"[1].
وفي رواية: "ويكثر الهرج، قيل: وما الهرج؟ قال: القتل"[2].
وقد فسر بعض العلماء "تقارب الزمن" بما وصل إليه الناس اليوم من سرعة التواصل، والتخاطب، والتحاور فيما بينهم.
ومن هذه الوسائل الطائرات، والسيارات، والاتصالات الحديثة من هاتف وانترنت وما إلى ذلك.
وهنا ننبه على وسيلة واحدة من وسائل الاتصال الحديث ألا وهي ما يعرف بـ (الجوال) – النقال- الهاتف المحمول- وما شئت من الأسماء.
وهذه نعمة من الله – عز وجل- على عباده أن يسر لهم كل ذلك، قال الله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وقال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله} وقال تعالى: {ألم ترو أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة… }.
فما هو الواجب علينا تجاه هذه النعم؟
إن الواجب باختصار شكر الله عليها، قال الله –تعالى-:{ لئن شكرتم لأزيدنكم}. وقال تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم}.
وشكر هذه النعمة يكون باستخدامها فيما يرضي الله – جل وعلا-، ويكون ذلك باستخدام الجوال فيما ينفع من التواصل بين الأقارب، والتنسيق بين الدعاة في إقامة المحاضرات والندوات، وما إلى ذلك.
وأما استخدامه فيما يغضب الله – عز وجل – من المراسلات والمعاكسات، والتنسيق بين عصابات الإجرام والنهب والسرقة، أو الأذية للمسلمين في مساجدهم، وفي حال صلاتهم بتلك الأصوات والرنات الغنائية المحرمة، فهذا من كفران النعمة، فضلاً على أن فيها أذية للمسلمين والتشويش عليهم في صلواتهم، وسلب لخشوعهم، وإهانة لبيوت الله، وعدم المبالاة بتعظيمها وتكريمها وتشريفها، قال الله- تعالى-: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}. وقال تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً}. وقال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه…} ورفع المساجد يكون بتطهيرها، والعناية بنظافتها، وتقديسها، وعدم أذية روادها، والقادمين إليها، وعدم ارتكاب أي عمل ينافي الأدب معها.
وهناك أمر أخطر من كل ما سبق في قضية الجوال – ألا وهي- عدم إغلاقه وقت الصلاة وسماع خطبة الجمعة، مما يضطر صاحب الجوال إلى إغلاقه، وذلك في وقت سماعه للخطبة، وبفعله ذلك يكون قد تسبب في إهداره لأجر الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: "من مس الحصى فقد لغا"[3].
بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من دعائم الدين القويم، حث الشارع على عدم الأمر بالمعروف في وقت سماع الخطبة، فقد جاء في الحديث:" إذا قلت لصاحبك – يوم الجمعة- والإمام يخطب أنصت فقد لغوت"[4].
وقد فسر العلماء اللغو في الجمعة أنه لا ثواب له، ولكن جمعته صحيحة وعليه الإثم.
والذي يغلق تلفونه في وقت سماع الخطبة يكون قد ارتكب فعلاً أكبر من الذي مس الحصا.
والأدهى والأمر أن بعض جهال المسلمين، وٍالذين يأتون للجمعة عادة، أو ما أشبه ذلك، ربما يرن جواله، فيقوم بالكلام والتحادث مع من اتصل به والإمام يخطب، وهذا شاهدناه بأعيننا يفعله البعض وخاصة إذا كان في صرح المسجد، الذي يعد جزء من المسجد – ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
فيجب على كل مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، أن يمتثل أوامر الله وأن يجتنب نواهيه، وأن يعظم حرماته وشعائره، وأن يحافظ على المساجد من العبث فيها، وأذية المسلمين الخاشعين الراكعين الساجدين فيها، وأن يقطع كل وسائل الاتصالات بينه وبين الناس، وأن يتصل مع الله – جل وعلا- وذلك بمحافظته على الصلوات الخمس في المساجد مع الجماعة، مع العناية الشديدة بخشوعها، ولا يتأتى ذلك إلا بترك كل ما يشغل عن الله.
وأخيراً: الله الله في احترام المساجد وتعظيمها، وعدم أذية المسلمين العمار لها.
والله أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.