الأذان وصلاة العيد

الأذان وصلاة العيد

الأذان وصلاة العيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه… أما بعد:

إن من الأعمال الفاضلة التي تقرب إلى الله في هذا الزمان تعليم الناس، ونشر سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم، بأسلوب سهل يفهمه العامي والمتعلم، وتكرار ذلك حتى ينتشر بينهم ويثبت في أذهانهم، وخير من يقوم بهذا العمل في هذا الزمن الذي كثرت فيه شواغل الناس وصوارفهم هم أئمة المساجد، حيث يغتنمون الدقائق التي يجتمع فيها الناس في المسجد؛ لتعليمهم ما تمس إليه الحاجة من السنن الشرعية، والآداب النبوية وتنبيههم على بعض المخالفات الشرعية, مع ربطهم بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله، ليتربى الناس على الارتباط بالكتاب والسنة والرجوع إليهما ويتأكد في أذهانهم أنهما المصدر الوحيد للشرع المطهر, ويعلمونهم أن أيَّ عبادة من العبادات التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- لعباده فهي توقيفية, لا يجوز فعلها إلا إذا كانت واردة عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

ومما ينبغي أن يُعلَّم الناس في مثل هذه الأيام ما يتعلق بالأذان وصلاة العيد من أحكام, فيقال:

الأذان من شعائر الإسلام الظاهرة ومن العبادات الفضيلة، جعل الله لها من الثواب ما لو علم الناس مقداره لتنافسوا عليه، فالمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة إذا ألجم الناس العرق؛ جزاءَ ما رفعوا أصواتهم بذكر الله بحيث يسمعه القاصي والداني، ويشهد لهم يوم القيامة كل شيء سمع أذانهم في الدنيا.

ويشرع الأذان والإقامة إذا حضرت الصلاة سواء كان في بلاد المسلمين أو في بلاد الكفار أو في السفر، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- لمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا)1. وغيره من الأحاديث الواردة في فضل الأذان والأمر به.

وشرع الله –سبحانه- سنناً لمن سمع الأذان, ورتَّب عليها الأجر العظيم، منها متابعته بأن يقول مثل ما يقوله المؤذن, والمشروع استحباب متابعة المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح أن يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله, واستحباب الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد الأذان لمن سمعه, وسؤال الله الوسيلة للرسول -صلى الله عليه وسلم.

هل يؤَذَّن ويُقام لصلاة العيد:

لقد شرع الله -جل وعلا- للمسلمين صلاة العيد في يوم العيد, وهي ركعتان تصلى بعد ارتفاع الشمس, ويخطب الإمام بعدها؛ إقامة لذكر الله, وشكراً له على ما أنعم به من إتمام النسك.

ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لصلاة العيد يذهب من طريقٍ ويعود من طريق آخر، وكان يأمر بإخراج النساء حتى الشابَّات منهن والحيض، ليستمعن الذكر ويشهدن اجتماع المسلمين للذكر والدعاء2.

قال ابن القيم –رحمه الله-: “كان -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة, والسنة أن لا يُفعل شيءٌ من ذلك, ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها”3.

وفي الصحيحين عن ابن عباس وجابر –رضي الله عنهم- قالا: “لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى” ولمسلم عن عطاء قال: “أخبرني جابر أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ”4.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: “صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ”5.

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ”6.

فهذه الأحاديث تدل على عدم شرعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين. قال الحافظ العراقي: “وعليه عمل العلماء كافة. وقال ابن قدامة في المغني: “ولا نعلم في هذا خلافاً ممن يعتد بخلافه إلا أنه روي عن ابن الزبير أنه أذن وأقام قال وقيل: إن أول من أذن في العيدين زياد, وهذا دليل على انعقاد الإجماع قبله، على أنه لا يسن لها أذان ولا إقامة7.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية, وقد زعم ابن العربي أنه رواه عن معاوية من لا يوثق به8.

وقول جابر: (وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ):

قال في الفتح: فيه أنه لا يقال قبل صلاة العيد شيء من الكلام، لكن روى الشافعي عن الزهري قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر المؤذن في العيدين فيقول: “الصلاة جامعة”. “هذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها, وقال مالك -في الموطأ- سمعت غير واحد من علمائنا يقول “لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم “وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا” انتهى كلام ابن حجر9.

ومما سبق ذكره نخلص إلى القول: إن هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا ينادى لصلاة عيد الفطر ولا لصلاة عيد الأضحى؛ من أجل أن يحضروا إلى المصلى، ولا من أجل إفهامهم حكم الصلاة، ولا ينبغي فعل ذلك، لا بالميكرفون ولا بغيره؛ لأن وقتهما معلوم والحمد لله، وقد قال الله تعالى:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (21) سورة الأحزاب.

فينبغي للحكام الصالحين والعلماء والدعاة إلى الله أن يبينوا للمسلمين حكم هذه الصلاة قبل يوم العيد، وأن يبينوا لهم كيفيتها، وما ينبغي لهم فعله فيها وقبلها وبعدها؛ حتى يتأهبوا للحضور إلى المصلى في وقتها، ويؤدوها على وجهها الشرعي.

فإذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، فلا ينادى لها, ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد، ولا غير ذلك من الألفاظ؛ لعدم ورود ما يدل عليه، وإنما ينادى بالصلاة جامعة في كسوف الشمس وخسوف والقمر10.

اللهم وفقنا للقيام بطاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا، وزَكِّ نفوسنا وأقوالنا وأفعالنا، وطهِّرنا من سوء العقيدة والقول والعمل، وجنبنا الابتداع في الدين, وارزقنا حسن التمسك بسنة نبيك محمد –صلى الله عليه وسلم، إنك جواد كريم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



1 رواه البخاري -618- (3/48) ومسلم -1081- (3/431).

2 الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية لـ(د. راشد بن حسين العبد الكريم) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/89) بتصرف.

3زاد المعاد (1/425) لـ(ابن القيم).

4 رواه البخاري -907- (4/21) ومسلم -1468- (4/399).

5 رواه مسلم -1470- (4/401).

6 رواه أبو داود -968- (3/367) وصححه الألباني ي سنن أبي داود – ( 1147).

7 المغني لـ(ابن قدامة)- (4/240).

8 عون المعبود (3/98) ونيل الأوطار للشوكاني (5/458) وتحفة الأحوذي للمباركفوري (2/72).

9 فتح الباري لابن حجر (3/379) وانظر: موطأ مالك –رحمه الله- (2/51).

10 عن: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/319) بتصرف.