النقوش والكتابة

النقوش وكتابة الآيات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من البدع المحدثة في المساجد تلك النقوش والزخرفة التي تُلهي المصلي في صلاته، فتجد اللوحات الضخمة، والكتابات المتنوعة بالخطوط المختلفة التي يصعب على الإنسان أحياناً قراءتها، وتكون هذه الكتابة إما لأسماء الله الحسنى، أو بعض الآيات القرآنية، أو بعض الأحاديث النبوية، فكل هذه من البدع التي دخلت على المسلمين، نسأل الله أن يخلص الأمة من جميع البدع.

وكذلك الزخرفة بالنقوش المختلفة؛ إما لصور المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو غيرها من تلك النقوش المتنوعة التي تجعل المصلي يدخل في صلاته ويخرج منها وهو مندهش بتلك النقوش التي قد أحاطت بالجدران، وأما الخشوع في الصلاة فهذا يكون قليلاً وقد ينعدم، والسببُ في ذلك تلك الشكليات التي يجدها المصلي أمامه، ولا حول ولا قوة إلا بالله1.

وهذه النقوش والزخرفة تفسد على الناس خشوعهم، والخشوع في الصلاة هو روحها ولبها، وقد مدح الله في كتابه الخاشعين فقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون:1-2)، وقد كان رسول الله  أحرص الناس على هذا الخشوع، فقد قطع كل طريق يؤدي إلى إفساد هذا الخشوع، فمن ذلك أنه  دخل البيت ذات يوم فرأى فيه قرني الكبش، فدعا النبي  عثمان بن طلحة فقال له: إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما، فخمرهما؛ فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلى رواه أحمد2.

قال الشوكاني رحمه الله: “والحديث يدل على كراهية تزيين المحاريب وغيرها مما يستقبله المصلي بنقش أو تصوير أو غيرهما مما يُلهي، وعلى أن تخمير التصاوير مزيل لكراهة الصلاة في المكان الذي هي فيه؛ لارتفاع العلة وهي اشتغال قلب المصلي بالنظر إليها”3، وقال الإمام السيوطي – رحمه الله -: “قال أصحابنا: تكره كتابته – أي المصحف – على الحيطان والجدران، وعلى السقوف؛ أشد كراهة لأنه يوطأ، وأخرج أبو عبيد عن عمر بن عبد العزيز قال: لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ”4، وقد قال عمر بن الخطاب  لمن أراد أن يبني مسجداً: “لا تحمر، ولا تصفر”5، وقال القاسم: “سمعت مالكاً يذكر مسجد المدينة وما عمل فيه من التزويق في قبلته فقال: كره الناس ذلك حين فعله – أي كره الناس ما فعله الوليد -؛ لأنه يشغلهم بالنظر إليه، وسئل مالك عن المساجد هل يكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوذتين ونحوهما فقال: أكره أن يُكتب في قبلة المسجد شيء من القرآن، والتزويق، وقال: إنَّ ذلك يشغلُ المصلِّي”6، وقال العلامة المناوي: “وزخرفة المساجد، وتحلية المصاحف؛ منهي عنها، لأن ذلك يشغل القلب، ويلهي عن الخشوع، والتدبر، والحضور مع الله – تعالى -، والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وبغيرهما مكروه، ويحرم مما وقف عليه”7، وقد حكى الإمام النووي – رحمه الله تعالى – الخلاف في الوقف على النقش والتزويق في “روضة الطالبين” (5/360-361) ثم قال: “والأصح لا يصح الوقف على النقش والتزويق؛ لأنه منهي عنه”.

فبهذا يتبين أن هذه الزخرفة والنقوش وغيرها في المساجد مما أنكره علماءُ الإسلام، وأنه ليس هناك حاجة تدعو إليه، وإنما ضرره أكبر من نفعه؛ فإنه يفسد على الإنسان خشوعه الذي هو روح الصلاة ولبها، وإذا نقص الخشوع نقص الأجر، إذن هو مشغلة للمصلي عن صلاته، ولم تبن المساجد للتباهي والتفاخر، وإنما بُنيت لعبادة الله – تعالى -، والتقرب إليه.

وفق الله الجميع للهدى ودين الحق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1– راجع: أحكام المسجد (ص31-32).

2– وروى أبو داود نحوه وهذا لفظه: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي، وصححه الألباني، في صحيح الجامع رقم (2504) وصحيح سنن أبي داود رقم (1786).

3– نيل الأوطار (2/131).

4– الإتقان في علوم القرأن (2/170).

5– المحلى (4/248).

6– الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 62.

7– فيض القدير (1/366).