السنة أيها الإمام

السنة أيها الإمام

السنة أيها الإمام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن سنة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – قدرها عظيم، ومكانتها رفيعة، والمتمسك بها تحلى بقلادة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا1، فهي نور في الباطن، وجمال في الظاهر، من تمسك بها أعطي وسام وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا2، بل لم تخطئ فراسته كما قال الكرماني – رحمه الله تعالى -: "من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وكف نفسه عن الشهوات، وغض بصره عن المحارم، واعتاد أكل الحلال؛ لم تخطئ له فراسة"3.

إن الفوز كل الفوز في الأخذ بالسنة المطهرةً وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا4، يذود عنهم النبي – صلى الله عليه وسلم – فيقربهم إلى حوضه الشريف؛ ليسقيهم بيده المباركة – عليه الصلاة والسلام -، ومآلهم ومردهم ومستقرهم بعد التعب والمشقة، والنصب وطول الشُقة؛ جنة عرضها السماوات والأرض أعدت لهم، وجهزت لمقدمهم، وزينت لحضرتهم وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ5.

ولن نستطيع الحصر لفضائل السنة فهي كثيرة ومتجددة، لكن أردنا أن نذكِّر أنفسنا بشيء من ذلك تحفيزاً لنا، وتجديداً لنشاطنا، خاصة إن كنا قدوات يُنظر إلينا، وتُقتفى سبيلنا، وتُتبع طريقتنا، وتُسلك مسالكنا، عندما نكون أئمة يأخذ الناس عنا دينهم بكل ثقة، ويقلدوننا بكل دقة، فصحة صلاة أحدهم معقودة باتباع إمامه، والائتمام به،  فقد جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون))6، وهل سينظر الناس إلى أفعال الإمام في الصلاة فقط؟ لا بل إنهم يرمقون منظره، ويتلمسون مظهره، فكيف بذلك الإمام وقد ترك شيء مما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم -، أو وقع فيما نهى عنه المصطفى – عليه الصلاة و السلام -، أو سارع إلى هديٍ غير هدي المعصوم – صلوات الله وسلامه عليه -، ولا يظن ظانٌّ أني أتتبع عورات هذه الشريحة المباركة، ولكنها همسات محب، ولفتات مشفق، ولمسات ساع إلى تبليغ الكمال لمن تقدموا إلى المحراب، حتى في مقدمة المتبعين للرسول الأمين، فهذه بعض الأمور التي تساهل فيها بعض الأئمة، وهي من الأمور المهمة، نشير إليها بكلمات ملمة، متمنياً الكمال لأئمة الأمة:

1- التساهل بما يحصل في المساجد من البدع كالأذكار الجماعية بعد الصلوات، وقد أفتى العلماء في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ببدعية ذلك وأنه خلاف السنة ففي "السؤال الثاني من الفتوى رقم (3552) يقول السائل: قراءة الفاتحة والدعاء جماعة خلف الصلاة المكتوبة هل هو سنة أم بدعة؟

الجواب:… وما يفعله بعض الناس من قراءة الفاتحة والدعاء جماعة بعد الصلاة من البدع، وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))7 أخرجه مسلم في صحيحه، وأصله في الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))8، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة "ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" كما قال ذلك الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – وغيره من أهل العلم"9.

2- حلق اللحى أو الأخذ منها، وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بإعفائها، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى))10، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: ((خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى))11، والأحاديث في هذا الباب كثيرة نكتفي بما ذكرنا لمن أراد اتباع الحق.

3- إسبال الثياب فعن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مراراً، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))12، وقد يقول قائل: هذا فيمن أسبل خيلاء وتكبراً، فأين يذهب بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي في البخاري: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار؛ ففي النار))13، ويزيل هذا الإشكال تماماً فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – حين سُئل: "السؤال: السائل ع. م. د. مقيم بالمملكة يقول في حديث تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء ما المقصود بالخيلاء؟ الجواب: الشيخ: أولاً قول السائل: (تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء) هذا غلط! فإن إسبال الثوب محرم سواء كان لخيلاء أو لغير خيلاء؛ لكن إن كان للخيلاء فإن وعيده شديد جداً قال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم!! قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب))14، وهذا وعيد عظيم، وأما الإسبال بدون خيلاء فقد قال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار))15، فهو يعذب بالنار عذاباً جزئياً على قدر ما حصل منه من المعصية، والفرق بين الوعيدين عظيم، فيكون قول السائل: إذا لم يكن خيلاء؛ يكون غلطاً، بل نقول: إنه إذا أسبل فقد أتى منكراً وكبيرة من كبائر الذنوب، لكن تختلف العقوبة فيما إذا كان ذلك خيلاءً أو غير خيلاء، والخيلاء معناه التكبر والتعاظم، إن الإنسان يفعل ذلك تكبراً وتعاظماً وفخراً وما أشبه ذلك من المعاني"16.

ولعل هناك تنبيهات أخرى لكن هذا من باب الإشارة، فلينظر كل منا في نفسه، وما الشيء الذي قصر فيه تجاه حبيبه – صلى الله عليه وسلم -؟ فنتبع الحق فهو أحق أن يتبع، والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة الأحزاب (21).

2 سورة النساء (69).

3 إغاثة اللهفان (1/48).

4 سورة الأحزاب (71).

5 سورة النساء (13).

6 البخاري (701)، مسلم (417).

7 مسلم (3243).

8 البخاري (2499)، مسلم(3242).

9 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (3552).

10 البخاري (5443).

11 مسلم (382).

12 مسلم (154).

13 البخاري (5341).

14 سبق تخريجه.

15 سبق تخريجه.