المكروهات في المسجد

المكروهات في المسجد

المكروهات في المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه المبين: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ1، والصلاة والسلام على النذير البشير، والسراج المنير القائل: ((إياكم وهيشات الأسواق في المساجد))2.

أما بعد:

فإن الله أمر بتعظيم شعائره، واتباع أوامره فقال – جل جلاله -: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ3، كما حذر من مخالفة أوامره، وأوامر نبيه – صلى الله عليه وسلم – فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ4، وأمر بتعظيم حرماته، وتقديس مقدساته، واجتناب محارمه فقال: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ5.

وإن من أعظم شعائر الله؛ بيوته، ففيها: يعبد، ويوحد، ويمجد، ومنها: يدعى، ويرجى، ويقصد، ومن جنباتها: يتوكل عليه، ويلجأ إليه، ويستغاث به، وبين سواريها ينزه عن كل شائبة ونقص لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ6، ويسبح بحمده: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ7، ويلهج بذكره: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ8، فهي مقر أولياؤه، وملتقى أحبابه، أعلنوا فيها كلمة التوحيد فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ9، وأبطلوا فيها كلمة الشرك وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ 10، وتعلموا فيها أشرف العلوم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ11، فكانوا على الدوام يحبونها وتحبهم، ويحنون إليها وتحن إليهم، وحالهم كما قال القائل:

ومن عجبٍ أني أحن إليهم                   وأسأل عنهم من لقيت وهم معي

وتنظرهم عيني وهم في سوادها              ويشتا قهم قلبي وهم بين أضلعي

فلما علم الله صدق محبتهم لها، وتوافدهم عليها؛ أمرهم بالتزين لها فقال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ12، وأمر بتطهيرها من كل دنس، وتنزيهها عن كل نجس، وهو معنى قول الله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ13،كما قال ابن كثير – رحمه الله -: "أي أمر لله – تعالى – برفعها أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: في بيوت أذن الله أن ترفع قال: "نهى الله – سبحانه – عن اللغو فيها"، وبه قال عكرمة، وأبو صالح، والضحاك، ونافع بن جبير، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسفيان بن حسين … وغيرهم من علماء التفسير"14.

وأوجب على العباد تنزيهها وصيانتها، فحرم فيها أشياء، وكره فيها أشياء، فمما كره فيها:

1-  سل السيوف ورؤوس النبال فيها (وما في حكمها)، وأمر أن يمسك بنصالها، ودليله حديث أبي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِماً))15.

2-  إدخال المجانين والصبيان للحديث الذي أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف عن واثلة مرفوعاً: ((جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم))16، ولا يحرم ذلك؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى وهو حامل أمامة، وفعله لبيان الجواز17.

3-  إدخال ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل وما شابههما من الفجل والكراث، ويلحق بها رائحة الدخان والتمباك… وغيرها، ودليله حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ – يُرِيدُ الثُّومَ – فَلَا يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا))18، ومما يدل على كراهته ما روى أبو داود من حديث أبي سَعِيدٍ ألخدري – رضي الله عنه – أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثُّومُ وَالْبَصَلُ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ الثُّومُ أَفَتُحَرِّمُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((كُلُوهُ، وَمَنْ أَكَلَهُ مِنْكُمْ فَلَا يَقْرَبْ هَذَا الْمَسْجِدَ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ مِنْهُ)) قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: "فِيهِ جَوَاز أَكْل الثُّوم وَالْبَصَل؛ إِلَّا أَنَّ مَنْ أَكَلَهُ يُكْرَه لَهُ حُضُور الْمَسْجِد"19.

4-  الإكثار من الكلام في أمور الدنيا، لأن المساجد إنما بنيت لذكر الله، وقراءة القرآن كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لناشد الضالة: ((إن المساجد لم تبن لهذا))20، وقد أفتى سماحة الشيخ ابن باز بكراهة ذلك فقال – رحمه الله -: "فيكره أن تتخذ المساجد محلاً لأحاديث الدنيا، فإنها بنيت لذكر الله، وقراءة القرآن، والصلوات الخمس … وغير هذا من وجوه الخير كالتنفل والاعتكاف وحلقات العلم"21.

5-  البصاق والتنخم جهة القبلة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه؛ فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها))22 قال ابن حجر – رحمه الله -: "والمصلي إن كان في المسجد فالأولى أن يبصق في ثوبه، ويدلكه بعضه ببعض كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ ليذهب أثره، وهو أولى من البصاق في المسجد مع تغييبه"23، ومما يكره أيضاً ارتفاع الأصوات في المساجد، وكل ما لا يليق بها من مهاترات وجدل عقيم لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((وإياكم وهيشات الأسواق)) لم تبن لهذا في المساجد))24.

اللهم ارزقنا تعظيم شعائرك، واتباع أوامرك، واغفر لنا وارحمنا يا رحمن يا رحيم.

والحمد لله رب العالمين.


 


1 – (النور:36).

2 – رواه مسلم برقم (432).

3 (الحج : الآية32).

4 – (النور: من الآية63).

5 – (الحج: من الآية30).

6 – (الشورى: من الآية11).

7 – (الإسراء: من الآية44).

8 – (الرعد: من الآية28).

9 – (محمد: من الآية19).

10 – (لحج: من الآية31)

11 – (الزمر: من الآية9).

12 – (الأعراف: من الآية31).

13 – (النور: من الآية36).

14 – تفسير ابن كثير (6/62).

15 – رواه البخاري برقم (433).

16 – فتح الباري لابن رجب (ج 3 / ص 277).

17 – فتح الباري لابن رجب (ج 3 / ص 277).

18 – فتح الباري لابن حجر (ج 3 / ص 261).

19 – عون المعبود (ج 8 / ص 337).

20 – رواه مسلم برقم (568).

21 – فتاوى نور على الدرب (ج2/706).

22 – فتح الباري لابن رجب (ج 3 / ص 167).

23 – فتح الباري لابن رجب (ج 3 / ص 168).

24 رواه مسلم برقم (655).