هل الاختلاف بين نية الإمام والمأموم يمنع الاقتداء؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:
فهنا مسألة تهم المصلي إماماً كان أو مأموماً نذكرها هنا لتعم الفائدة والخير بين المسلمين، ألا وهي مسألة هل الاختلاف بين نية الإمام والمأموم يمنع الاقتداء أم لا، وللجواب عن هذا نقول:
إن من المسائل التي ينبغي العلم بها أنه لا يشترط اتحاد نية الإمام والمأموم، وأن اختلاف نية الإمام عن المأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فالمفترض يأتم بالمتنفل، والمتنفل يأتم بالمفترض، والمفترض يقتدي بمفترض آخر، فهذه ثلاث حالات:
فالأولى: كما لو دخل إنسان المسجد، والإمام يصلي التراويح، فله أن يصلي العشاء خلفه ركعتين ثم يقوم فيتم ركعتين؛ وهذا قول الإمام الشافعي وأصحابه، ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية – رحم الله الجميع -؛ وذلك لما ورد عن جابر – رضي الله عنه – أن معاذاً – رضي الله عنه – كان يصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة1.
كما يدل على ذلك – أيضاً – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – صلّى بالطائفة الثانية صلاة الخوف وهي له نافلة، فإنه صلى بطائفة وسلم، ثم صلى بطائفة أخرى وسلم2.
وأما حديث: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ)"3 فلا دليل فيه على عدم الجواز؛ لأنه محمول على الاختلاف في الأفعال الظاهرة؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فسّره بذلك كما في تمام الحديث، وعلى تقدير أنه عام في اختلاف النيات والأفعال الظاهرة فهو مخصوص بمثل حديث جابر المذكور، ولا تعارض بين العام والخاص.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (والذين منعوا ذلك ليس لهم حجة مستقيمة، فإنهم احتجوا بلفظ لا يدل على محل النـزاع، كقوله – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ)، وقوله: (الْإِمَامُ ضَامِنٌ)4، فلا تكون صلاته أنقص من صلاة المأموم، وليس في هذين الحديثين ما يدفع تلك الحجج، والاختلاف المراد به الاختلاف في الأفعال كما جاء مفسراً …" وقال – أيضاً -: "فقد ثبت صلاة المتنفل خلف المفترض في عدة أحاديث، وثبت أيضاً بالعكس، فعلم أن موافقة الإمام في نية الفرض أو التنفل ليست بواجبة، والإمام ضامن وإن كان متنفلاً"5.
وقال السندي على حديث صلاة الخوف: "ولا يخفى أنه يلزم فيه اقتداء المفترض بالمتنفل قطعاً، ولم أر لهم جواباً شافياً"6.
وأما الصورة الثانية: وهي متنفل يقتدي بمفترض، فكما لو دخل إنسان المسجد فوجدهم يصلون وقد كان صلى تلك الصلاة؛ فإنه يصلي معهم وتكون له نافلة.
وأما الصورة الثالثة: وهي مفترض يقتدي بمفترض آخر، فكما لو دخل إنسان لم يصل الظهر والإمام يصلي العصر، فإنه يصلي وراء إمامه بنية الظهر، ثم بعد فراغه يصلي العصر، لوجوب الترتيب، ولا يسقط خشية فوات الجماعة.
وكذا يجوز أن يصلي الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء خلف من يصلي الفجر، وشرط ذلك: ألا تكون إحدى الصلاتين تخالف الأخرى في الأفعال الظاهرة؛ لحديث "فلا تختلفوا عليه"، فلا يصلي الظهر خلف من يصلي الكسوف مثلاً.
وهذا قول الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لقصة معاذ – رضي الله عنه -، حيث دل الحديث على أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر، فكذلك هنا، اختلاف نية الفريضة من فريضة إلى أخرى لا يؤثر، ومن منع ذلك استدل بما تقدم، والجواب كما سلف، والله أعلم7، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري (668)، ومسلم (465). وانظر: فتاوى ابن باز (12/181).
2 رواه أبو داود (4/126)، والنسائي (3/178)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/232)، وانظر كلام ابن القيم عليه في تهذيب السنن (4/126) بهامش عون المعبود).
3 رواه البخاري (689) ومسلم (414).
4 رواه أبو داود (517) والترمذي (207) وصححه الألباني.
5 مجموع الفتاوى (23/385) والفتاوى الكبرى (5/105).
6 حاشية السندي على النسائي (3/178).
7 مستفاد من موقع شبكة نور الإسلام.