التمطيط والتطريب في الأذان

التمطيط والتطريب في الأذان

التمطيط والتطريب في الأذان

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الني المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:

فإن من الأمور التي يقع فيها بعض المؤذنين – وربما لم يرعوها بالاً -، وقد أنكرها كثير من الأئمة الأعلام قديماً وحديثاً، ولم يفتوا في التنبيه إليها – لاسيما لتكررها في كل زمان ومكان – هي مسألة التمطيط والتطريب في الآذان، ولذا سنستعرض هذه المسألة، ونبين حكمها في هذه المقالة.

أولاً: ما المراد بالتمطيط والتطريب:

قال الأَصْمَعِي: التَّمْطِيطُ الشَّتْمُ، ويُقالُ: تَمَطَّطَ أَيْ تَمَدَّدَ، وقال الأَزْهَرِيّ: والمَطُّ والمَطْوُ والمَدُّ وَاحِدٌ ويُقَال: مَطَوْتُ ومَطَطْتُ بِمَعْنَى المَدِّ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: مَطْمَطَ في كَلامِه إِذا مَدَّهُ وطَوَّلَهُ1.

وأما التطريب ففسره صاحب الطراز فقال: والتطريب هو تقطيع الصوت وترعيده، وأصله خفة تصيب المرء من شدة الفرح، أو من شدة التحزين، وهو من الاضطراب أو الطربة.

ثانياً: نصوص العلماء في مسألة التمطيط في الآذان:

نص الفقهاء على كراهية التغني بالأذان، بحيث يكون على سبيل التطريب والتمديد الزائد في الحروف، بل جعلوه متردداً بين الكراهة والتحريم ما لم يغير المعنى، فإن غير المعنى صار حراماً لا يصح معه الأذان.

جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه: "وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّمْطِيطَ وَالتَّغَنِّيَ وَالتَّطْرِيبَ بِزِيَادَةِ حَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ غَيْرِهَا فِي الأَوَائِلِ وَالأَوَاخِرِ مَكْرُوهٌ؛ لِمُنَافَاةِ الْخُشُوعِ وَالْوَقَارِ، أَمَّا إذَا تَفَاحَشَ التَّغَنِّي وَالتَّطْرِيبُ بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِدُونِ خِلافٍ فِي ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لابْنِ عُمَرَ: إنِّي لأُحِبُّك فِي اللَّهِ، قَالَ: وَأَنَا أَبْغَضُك فِي اللَّهِ, إنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك، قَالَ: حَمَّادٌ يَعْنِي التَّطْرِيبَ" أ.ه2.

وقد توافق كلام أهل العلم قديماً وحديثاً على ذلك:

1. قال زين الدين العراقي: والمستحب أن يترسل في الأذان …، ويكره التمطيط وهو: التمديد (والتغني) وهو التطريب؛ لما روي أن رجلاً قال لابن عمر: "إني لأحبك في الله!! قال: وأنا أبغضك في الله، إنك تبغي في أذانك" قال حماد يعني التطريب.3

2 . ونقل صاحب المدخل ما قاله ابن الحاج في معرض حديثه عن الآذان بالألحان قال: فصل في النهي عن الأذان بالألحان: وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان، وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء، وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريباً يشبه الغناء، حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض، وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث، أحدثها بعض الأمراء بمدرسة بناها، ثم سرى ذلك منها إلى غيرها، وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان، وهي بدعة قبيحة، إذ إن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة، فلا بد من تفهيم ألفاظه للسامع، وهذا الأذان لا يفهم منه شيء لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني، وقد ورد في الحديث عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"4، قال الإمام أبو طالب المكي – رحمه الله- معقباً: ومما أحدثوه التلحين في الأذان، وهو من البغي فيه والاعتداء، قال رجل من المؤذنين لابن عمر: إني لأحبك في الله!!، فقال له: لكني أبغضك في الله، فقال: ولم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنك تبغي في أذانك، وتأخذ عليه أجرة.

وكان أبو بكر الآجري – رحمه الله – يقول: خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شيء، حتى في قراءة القرآن، وفي الأذان؛ يعني الإجارة والتلحين انتهى.5

3. وجاء في "المدونة": "وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ التَّطْرِيبَ فِي الأَذَانِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً" أ.ه6.

4. وأشار إلى هذا الإمام الشافعي في "الأم" عند قوله: "أُحِبُّ تَرْتِيلَ الأَذَانِ، وَتَبَيُّنَهُ بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلا تَغَنٍّ فِي الْكَلامِ، وَلا عَجَلَةٍ" أ.هـ.7

وفي قوله تأويلان: أحدهما: أنه الإعراب الفاحش، والثاني: أنه تفخيم الكلام، والتشدق فيه8.

وقال ابن فرحون: والتطريب: مد المقصور، وقصر الممدود، وسمع عبد الله بن عمر رجلا يُطرِّب في أذانه فقال: "لو كان عمر حيّاً فكَّ لحييك".

فتحصل من هذا أنه يستحب في المؤذن أن يكون حسن الصوت، ومرتفع الصوت، وأن يُرجع صوته، ويكره الصوت الغليظ الفظيع، والتطريب، والتحزين – إن لم يتفاحش وإلا حرم –9.

وللمتأخرين من أهل العلم كلام تناولوا به هذه المسألة فمن ذلك أنه:

1. لما سئل الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – عن التمطيط في الآذان في فتواه كان جوابه: "ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى؛ فإنه يبطل الأذان، وحروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم فلا ينبغي، حتى الحركات إذا مدَّت إن أحالت المعنى لم يصح وإلا كره"10.

وفند الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – في تلحين الآذان فذكر: "أن الملحن المطرَّب به إذا أذن على سبيل التطريب به؛ كأنما يجر ألفاظ أغنية، فإنه يُجزئ لكنه يكره، وقال: وأما الملحون وهو الذي يقع فيه اللحن أي: مخالفة القواعد العربيَّة، فينقسم إلى قسمين:

1- قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى.

2- وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى، فلو قال المؤذن: "الله أكبار" لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن "أكبار" جمع كَبَر، كأسباب جمع سبب وهو "الطبل"11.

والحاصل من هذا كله أن التغني بالأذان فإن الأصل فيه الكراهة، وقد ينتقل حكمه من الكراهة إلى التحريم إن حصل تغيير للمعنى في ذلك التغني والتطريب والتمطيط.

والله أعلم.


1 تاج العروس (20/109-110).

2 الموسوعة الفقهية (6/12).

3 طرح التثريب (3/118-120).

4– رواه البخاري برقم (2499)، ومسلم برقم (3242).

5– المدخل (2/245،246).

6– المدونة  (1/159).

7– الأم للشافعي (1/107).

8– الحاوي الكبير ( 258).

9– "مواهب الجليل" لحطاب (1/437،438).

10– فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (2/125).

11 الشرح الممتع (2/62-63).