نسيان القرآن وعلاجه

نسيان القرآن وعلاجه

نسيان القرآن وعلاجه

 

الحمد لله العلي الأعلى، الذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله -تبارك وتعالى- فطر الإنسان على النسيان، وله فوائد ومضار كثيرة، وقد خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- تفلت القرآن ونسيانه بعد نزول جبريل عليه لإلقائه، قال الله تعالى: سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى* إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ سورة الأعلى (6)(7). وقال تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (16-18) سورة القيامة.

وكثيراً ما يشكوا الناس، وخاصة من يريد حفظ كتاب الله، وطلاب مداس تحفيظ القرآن الكريم: نسيان القرآن، فهو سرعان ما يتفلت من الذاكرة، ولأجل هذا حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على تعاهده بالتلاوة والحفظ والمراجعة؛ فعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل من عقلها)1.

وإليك -أخي- بعض النصائح والوصايا في المحافظة على ما حفظته من قرآن كريم:

أولاً: الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله -سبحانه وتعالى- بأن يعينك على حفظ القرآن..

ثانياً: الحفظ في الأوقات والأحوال المناسبة، قال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: "أوقات الجوع أحمد للحفظ من أوقات الشبع، وينبغي لمن يحفظ أن يتفقد من نفسه حال الجوع، فإن بعض الناس إذا أصابه الجوع والتها به لم يحفظ، فليطفئ ذلك عن نفسه بالشيء الخفيف كمص الرمان وما أشبه ذلك، ولا يكثر الأكل"، وقال ابن جماعة -عليه رحمة الله-: "كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب، وكثرة الشرب جالبة للنوم، والبلادة، وقصور الذهن وفتور الحواس، وكسل الجسم هذا مع ما فيه من الكراهة الشرعية"2.

ثالثاً: الحرص على تناول المأكولات التي تنشط الذهن وتعين على الحفظ، ومن ذلك العسل؛ قال الزبهري: "عليك بالعسل فإنه جيد للحفظ، والعسل شفاء للناس بنص القرآن، قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ سورة النحل(69)؛ ومن ذلك شرب ماء زمزم بنية الحفظ؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ماء زمزم لما شرب له)3.

رابعاً: التوبة الصادقة النصوح، والإكثار من الاستغفار، فإن نسيان القرآن سببه الذنوب؛ يقول الحافظ ابن حجر في ترجمة وكيع بن الجراح: "وهو أحد الأئمة الأعلام الحفاظ، وقد كان الناس يحفظون، ويحفظ هو طبعًا، قال علي بن خثرم: رأيت وكيعًا وما رأيت بيده كتابًا قط، إنما هو يحفظ، فسألته عن دواء الحفظ؟ قال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ"4.

خامساً: احذر من الغرور بما تحفظه من كتاب الله، وليكن تعلمك للقرآن ابتغاء ما عند الله واكتساب الخشية والسكينة والوقار لا الاستكبار.

سادساً: يفضل أن تحفظ من مصحف معين، ومن طبعة مخصصة حتى تثبت عندك بداية الأجزاء، والأحزاب، وبداية الصفحات ونهايتها، فذلك أضبط وأسهل للحفظ.

سابعاً: أن تحفظ على مدرس متقن، ويكون ذلك بأن تلتحق بمدارس وحلقات تحفيظ القرآن.

ثامناً: فهم المعنى العام للآية، فإن الفهم للمعنى أدعى وأجلب لرسوخ الحفظ في الذهن وثباته.

تاسعاً: الحذر من أمراض القلوب، ومن ذلك العجب والرياء، وأكل الحرام والمتشابه، والاستهزاء بالآخرين ممن لا يحفظ أو لا يحسن القراءة، وغير ذلك من الأمور التي بها علاج نسيان القرآن، والله نسأل أن يعيننا على حفظ كتابه، والعمل به، إنه جواد كريم، بر رحيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..


 


1 رواه البخاري ومسلم.

2  "كيف تحفظ القرآن الكريم" للدكتور: يحيى بن عبد الرزاق الغوثاني.

3 رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم(2484).

4  تهذيب التهذيب(11/113). الناشر: دار الفكر – بيروت. الطبعة الأولى(1404هـ).