بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد:
فإن القلوب أوعية للخير أو للشر، فإذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسد القلب فسد الجسد؛ فالقلب ملك والأعضاء جنوده، فإذا استقام الملك استقامت الجنود تبعاً للملك.
و صلاح القلب يحتاج إلى مجاهدة وعناية؛ كما أن النجاة مدارها على أعمال القلوب لأن أعمال الجوارح تبعاً لها، ودليل على صلاحها واستقامتها، فإذا صحت أعمال القلوب صحت أعمال الجوارح؛ لما جاء في الحديث النبي ﷺ قال: …ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب1.
ومن أعمال القلوب العظيمة التي يجب على كل مسلم أن يهتم بها: الصبر واليقين؛ فبهما تنال الإمامة في الدين؛ يقول الله -تعالى-: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (سورة السجدة:24)، فبالصبر تترك الشهوات، وباليقين تدفع الشبهات؛ كما قال تعالى: وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر (سورة العصر:3).
يقول الله – جل وعلا -: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (سورة الغاشية:20)، ثم ماذا قال بعدها: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (سورة الغاشية:21)، وكأن الله – عز وجل – يريد من الذين يدعون إلى الله أن يأخذوا صبر الإبل، وسمو السماء، وثبات الجبال، وذلة الأرض للمؤمنين، ثم بعد ذلك: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ليس لليأس مكان عند المؤمن، وليس للقنوط مكان عنده.
ها هو رجل يركب البحر، وتنكسر به سفينته، فيسبح إلى جزيرة في وسط البحر ويمكث ثلاثة أيام لم يذق طعاماً ولا شراباً، فييأس من الحياة، ويقوم منشداً:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي | وصار القار كاللبن الحليب |
لا يمكن أن يكون القار كاللبن، ولا يمكن أن يشيب الغراب، ومعنى ذلك أنه يئس وأيقن بالموت، وإذا بهاتف يهتف ويقول:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه | يكون وراءه فرج قريب |
وبينما هو يسمع هذا النداء إذ بسفينة تمر، فيلوح لها، فتأتي وتحمله، وإذ على ظهر السفينة أحدهم يردد منشداً:
عسى فرج يأتي به الله إنه | له كل يوم في خليقته أمـر |
إذا لاح عسر فارتجِ اليسر إنه | قضى الله أن العسر يتبعه اليسر |
ولن يغلب عسر يسرين، فأعمل أخي ولا تيأس
فعليك بذر الحب لا قطف الجنى | والله للساعين خير معين |
ستسير فلك الحق تحمل جنده | وستنتهي للشاطئ المأمون |
بالله مجراها ومرساها فهل | تخشى الردى والله خير ضمين |
ولنا بيوسف أسوة في صبره | وقد ارتمى في السجن بضع سنين |
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى | وطغى فإن يقين قلبي أكبر |
في منهج الرحمان أمن مخاوفي | وإليه في ليل الشدائد نجأر2 |
والله نسأل أن يجعلنا من الصالحين، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.