فضائل المبادرة إلى المسجد

فضائل المبادرة إلى المسجد

فضائل المبادرة إلى المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يقول الله – تعالى-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (36-38) سورة النــور.

فمن منطلق هذه الآيات الكريمة نقف مع فضائل المبادرة إلى المساجد للاشتغال بطاعة الله، فالمبادرة إلى المسجد، وانتظار إقامة الصلاة، والاشتغال بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة، ومن أعظم الخيرات، وهو دليل على تعظيم الصلاة، وتعلق القلب بالمسجد، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ)1، ومن تلكم الفضائل والفوائد التي يحوزها من اتصف بهذه العبادة الجليلة ما يلي:

1- الاتصاف بصفة من يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)، فذكر منهم: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ)2.

2. أن المبادر في الصلاة صلاة عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ)3، وقال – صلى الله عليه وسلم -:(أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ)؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ)4.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ)5.

3- صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له قال الله – تعالى-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) سورة الأحزاب، فالصلاة من الله  – تعالى ثناؤه – على عبده في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة الدعاء والاستغفار قائلين اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.

4- تحصيل الصف الأول، وفي الصف الأول فضل عظيم دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فهو على مثل صف الملائكة، ولا يحصل ذلك إلا بالتبكير (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا)6

5- تحصيل ميمنة الصف، قال – صلى الله عليه وسلم -: (إَِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِن الصُّفُوف)7، وتحصيل ميمنة الصف لا تكون إلا لمن حضر مبكرًا.

6- الدعاء بين الأذان والإقامة قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)8، وهذا في حق من هو في المسجد أيسر وأقرب للخشوع والاستحضار، والتزام آداب الدعاء، بخلاف من لم يستعد للذكر والدعاء والصلاة بعد، وإن كان الآخر يمكنه الدعاء ولو كان خارج المسجد.

7- الصلاة قبل الإقامة فعن عبد الله بن مغفل – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ)، ثم قال الثالثة: (لِمَنْ شَاءَ)9، والصلاة قبل الإقامة عبارة عن إحماء للفريضة، وذريعة للمداومة عليها، فمن أدى النوافل استمر على الفرائض، ومن قصر في النوافل فهو عرضة لأن يقصر في الواجب.

8- إدراك تكبيرة الإحرام فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ)10.

9- التأمين مع الإمام فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:(إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) سورة الفاتحة فَقُولُوا آمِينَ؛ فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)11، وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ)12.

10- الصلاة بخشوع، وتعد المبادرة بالحضور للمسجد والانقطاع عن مشاغل الدنيا ومتاعبها في تلك اللحظات من أسباب الخشوع في الصلاة، وإقبال المصلي على ربه؛ فإن المصلي كلما طال لبثه في المسجد، واشتغل بالصلاة والقراءة، والذكر والدعاء قبل إقامة الفريضة حضر قلبه، وسكنت جوارحه، ووجد نشاطاً وراحة وروحاً، فهو يقول: أصلي فأستريح، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ)13.14

ولو ولم يكن من فضل للمؤمنين المحافظين على الصلاة في المساجد وتعلقهم بها إلا وصف الله لهم بقوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ (38) سورة النـور لكفاهم،وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) سورة النمل.

نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه البخاري (2543) ومسلم (437) والتهجير معناه: التبكير.

2  رواه البخاري (1357) ومسلم (1031).

3  رواه البخاري (628) ومسلم (649).

4 رواه مسلم (251).

5  رواه ابن ماجة (800) وأحمد (9840) وصححه الألباني في تحقيق سنن ابن ماجة (652).

6  رواه البخاري (2543) ومسلم (437).

7  رواه أبو داود (676) وابن ماجة (1005) وحسنه الألباني في المشكاة وكذا ابن حجر في الفتح وفي روضة المحدثين، لكن ذكره الألباني أيضاً في ضعيف الجامع وغيره مضعفاً له، والله أعلم.

8  رواه أبو داود (521) وصححه الألباني.

9 رواه البخاري (601) ومسلم (838).

10  رواه الترمذي (241) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6365).

11 رواه البخاري (749) ومسلم (410).

12 رواه ابن ماجة (856) وصححه الألباني.

13  رواه أبو داود (4986) أحمد (23137) وصححه الألباني.