كراهة الصالحين

كراهة الصالحين

كراهة الصالحين

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

كلنا يعلم أيها المؤمنون: أن الحب في الله والبغض فيه من أوثق عرى الإيمان، والمؤمن مأمور بمحبة المؤمنين والصالحين وبغض الكافرين، وهذه المحبة والبغض دين يتقرب به إلى الله، ويحشر المرء يوم القيامة مع من أحب في هذه الدنيا.

الأولياء والصالحون هم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأفضل من أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).1

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره).2

فإذا كان هذا هو الحال فمحبتهم من محبة الله تعالى، وبغضهم وكراهيتهم مما يسخط الله تعالى.

فإذا ما رأيت العبد يجتنب مجالس الخير، ويأنس بأحاديث اللغو والتفاهة ويبغض الصالحين الممتثلين للسنة، الحريصين على إقامة شعائر الدين في أنفسهم وأهليهم ووسطهم، فاعلم أنه يعيش صراعًا مع نفسه، فإنها تنازعه الثبات على الحق، وتدعوه إلى الإهمال فيه، والفتور في القيام به.

يقول الفاروق -رضي الله عنه-: "جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة".

ويقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لا تزالون بخير ما أحببتم خياركم".

كيف لا، وهم أقرب الناس إلى الله تعالى، وهم أهله وخاصة أحبابه، وهم أهل ذكره وأهل مجالسته، وأهل زيارته، وأهل طاعته، وأهل كرامته.

فمن أبغضهم فببغض الله أبغضهم ومن أحبهم فبحب الله أحبهم.

ولا يزال الرجل يكره أهل الخير حتى يختم الله على قلبه.

ألسنا نقول –أيها الناس- في كل صلاة (التحيات الطيبات والصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض).3

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله -تعالى-: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، فاقرؤوا إن شئتم فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ (17) سورة السجدة.4

فلماذا نكرههم وهم صمام أمان المجتمع، وبهم قوام الدين وصلاح الأمة؟!

فإياك إياك -أخي المسلم- أن تكره الصالحين، وتقدم على ربك وهم خصماؤك عند الله تعالى.

فاللهم احشرنا في زمرتهم، وبارك في أعمارهم، واجعلنا شهداء لهم على الحق والدين والصلاح والإصلاح.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه البخاري (6137).

2 رواه البخاري (2556).

3 رواه البخاري برقم (5876) ومسلم (402)، واللفظ له.

4 رواه البخاري (3072) وأخرجه مسلم برقم (2824).