صلوات لا أذان لها ولا إقامة

 

 

 

 

صلوات لا أذان لها ولا إقامة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد فرض الله على المسلمين خمس صلوات في اليوم والليلة، وشرع لكل صلاة مفروضة الأذان والإقامة، ولكن ثمة صلوات لا يشرع لها لا أذان ولا إقامة، هذه الصلوات منها ما هو سنة مؤكدة، ومنها ما هو فرض كفاية، وبعضها رآها البعض فرض عين، فمن هذه الصلوات التي لا أذان لها ولا إقامة:

1- صلاة العيدين، فلا يشرع لها أذان ولا إقامة، لما جاء في الحديث عن جابر بن عبدالله قال: شهدت مع رسول الله   الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة1..

وعن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله   العيدين غير مرة، ولامرتين بغير أذان ولا إقامة2. وعن ابن عباس وجابر بن عبدالله الأنصاري قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. ثم سألته بعد حين عن ذلك، فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبدالله الأنصاري أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج، ولا إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذ ولا إقامة3.

دلت هذه الأحاديث على أنه لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة، قال النووي عند شرحه لقول جابر: “فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة” هذا دليل على أنه لا أذان ولا إقامة للعيد، وهو إجماع العلماء اليوم، وهو المعروف من فعل النبي  ، والخلفاء الراشدين”4.

قال ابن القيم: “وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة –أَي صلاة العيد- من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة. والسنة: أنه لا يفعل شيء من ذلك”5..

وقال الصنعاني وهو يرد عمن قال: إنه يستحب أن ينادى للعيد “الصلاة جامعة” فيقول رحمه الله: “ غير صحيح إذ لا دليل على الاستحباب، ولو كان مستحباً لما تركه  ، والخلفاء الراشدون من بعده. نعم ثبت ذلك في صلاة الكسوف لا غير، ولا يصح فيه القياس؛ لأن ما وجد سببه في عصره ولم يفعله ففعله بعد عصره بدعة، فلا يصح إثباته بقياس ولا غيره”6.

وسئل العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- هل لصلاة العيد أذان وإقامة؟

فأجاب: “صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة، كما ثبتت بذلك السنة، ولكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إنه ينادى لها “الصلاة جامعة”، لكنه قول لا دليل له، فهو ضعيف. ولا يصح قياسها على الكسوف؛ لأن الكسوف يأتي من غير أن يشعر الناس به، بخلاف العيد فالسنة أن لا يؤذن لها، ولا يقام لها، ولا ينادى لها، “الصلاة جامعة” وإنما يخرج الناس، فإذا حضر الإمام صلوا بلا أذان ولا إقامة، ثم من بعد ذلك الخطبة”7.

ثانياً: صلاتي الخسوف والكسوف: عن عائشة أن الشمس خسفت على عهد رسول الله   فبعث مناديا: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم فكبر وصلَّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات8.. دل الحديث على أنه ليس لصلاة الخسوف أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها بـ”الصلاة جامعة”.. قال النووي: “واجمعوا أنه لا يؤذن لها -أي لصلاة الخسوف- ولا يقام”9. فالمشروع إذن عند كسوف الشمس وخسوف القمر أن ينادى: “الصلاة جامعة”، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا حرج أن ينادى: “هلموا إلى الصلاة”، أو الصلاة رحمكم الله”، أو الصلاة الصلاة”، ولكن الأولى البقاء على ما علمنا إياه رسول الله   بأن ينادى: “الصلاة جامعة”.

ثالثا: صلاة الاستسقاء، لا يشرع لها أذان ولا إقامة، وإنما يخرج الناس لها تائبين إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، داعين الله، مبتهلين إليه، أن ينزل عليهم الغيث، وأن لا يعذبهم بسوء فعالهم، ولا بما فعله السفهاء منهم.

وقد ثبت أن النبي   خرج لصلاة الاستسقاء، فعن عباد بن تميم عن عمه قال: خرج النبي   يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة..

ولم ينقل عنه   أنه شرع لها أذاناً ولا إقامة، بل صلاها ركعتين، ثم خطب الناس..

وكذلك لا يشرع أن ينادى لها: “الصلاة جامعة” كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، معللين قولهم هذا بأن صلاة الاستسقاء صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة، ولا يسن لها الأذان ولا الإقامة، فيسن لها النداء. وأيضاً قاسوها على صلاة الكسوف..

ولكنهم خالفوا في ذلك الصواب، فلا يستحب أن ينادى لها: “الصلاة جامعة”، بل النداء لها بدعة محدثة؛ لأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عيه وسلم- ذلك. وقياسها على صلاة الكسوف فاسد الاعتبار؛ لأن صلاة الكسوف على غير تأهب بغتة، وأما صلاة الاستسقاء فمعلومة من قبل، والناس يتأهبون لها، ويستعدون لها، ويعزمون على الخروج إلى الصحراء لإقامتها..

رابعاً: ومن الصلوات التي لا يشرع لها أذان ولا إقامة: قيام الليل (التراويح)، ولا يشرع كذلك لها النداء: “الصلاة جامعة”، أو ما أشبه ذلك من العبارات، بل ذلك بدعة؛ ولم يرد عن النبي   أنه شرع النداء لها أو الإقامة، وكذلك لم يؤثر عن أحد من أصحابه، بل عمل المسلمين على مر الدهور، واختلاف العصور عدم الأذان أو الإقامة أو النداء لها..

خامساً: صلاة الجنازة، فقد أجمع العلماء على أنه لا يسن لها أذان ولا إقامة، كما قال الوزير ابن هبيرة -رحمه الله: “وأجمعوا على أن الصلاة على الجنائز لا يسن لها أذان ولا نداء”10 أي “الصلاة جامعة”، ولا ما أشبه ذلك من العبارات.. وذلك أنه لم ينقل عن النبي   ولا عن صحابته، إضافة إلى أن النداء بـ”الصلاة جامعة” من أجل أن يجتمع الناس، وفي صلاة الجنازة المشيعون حاضرون، فلا حاجة للإعلام..”11.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



1 أخرجه مسلم.

2 رواه مسلم.

3 رواه البخاري ومسلم.

4 شرح النووي على مسلم(6/ 175).

5 زاد المعاد(1/425).

6 سبل السلام(1/ 27).

7 مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/237).

8 رواه البخاري

9 شرح النووي على مسلم(6/ 204)

10  الإفصاح عن معاني الصحاح(1/68).

11 غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام(3/84) للعبيكان..