الفرقة الناجية
الخطبة الأولـى:
الحمد لله الذي أيقظ الغافلين، ونفع بالتذكرة المؤمنين، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها، بل جمعوا بين الدنيا والدين، وعرفوا ما لربهم من الحق، فقاموا به قيام الصادقين، أحمده حمد الحامدين، وأشكره وأستعينه، فهو نعم المولى ونعم المعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين1.
عباد الله:
إنَّ ربكم جلَّت عظمته وتقدَّست أسماؤه بعث صفيَّه محمّداً -صلى الله عليه وسلم- على فَترةٍ من الرّسُل، وأنزل عليه الكتابَ والحِكمة، ودعَا إلى ربِّه على بصيرةٍ، فعلِم الناس من القرآن، وعلِموا من السنّة، وفقهوا في دين الله تعالى، وما لحِق رسولُ الله بالرّفيق الأعلى حتى ترَك أمّتَه على المنهاجِ الواضح والصّراط المستقيم، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ)2.
فبيَّن الله تعالى أصولَ الإيمان وصفاتِ المؤمنين، فقال جلّ ذكره: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) سورة البقرة.
وبيَّن الرسول –صلى الله عليه وسلم- مراتب الدينِ في الحديث لمّا سأله جبريلُ -عليه الصّلاة والسلام- وهي الإسلام والإيمان والإحسان، وسنَّ -عليه الصلاة والسلام- السُّنَن، وشرع الأحكام، وفصل الحلال والحرام، وبيَّن مسائل العقيدة أكمل بيان، وحقَّق -عليه الصلاة والسلام- مقامَاتِ العبودية لربِّه، وكفى نبيَّنا محمّداً شرفاً وقَدراً ثناءُ الله تعالى عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم.
أيها الناس:
إن الصّحابة -رضي الله عنهم- هم تربيةُ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ونقلَةُ الشريعةِ وهم المجاهدون في سبيلِ الله، اختارَهم الله لصُحبة نبيِّه -عليه الصلاة والسلام- ووصَفهم الربُّ تبارك وتعالى بالإيمان الحق والسَّبق إلى الخيراتِ وفِعل الصّالحات, فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) سورة الأنفال.
وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (100) سورة التوبة.
وأثنى عليهم –صلى الله عليه وسلم- في قوله: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)3.
فالسّلف الصّالح حقَّقوا الحياةَ العمليّة للإسلام، وعملوا بالدين في حياتهم الخاصة والعامّة، وطبَّقوه التطبيق الكامل، وهم القدوةُ في العمل بتعاليم الإسلام لمن أتى بعدهم، فكانت سيرتهم مناراً للأجيالِ بعدهم في العلم والعمل، فمن اتَّبع طريقهم اهتدى وفاز بجنّاتِ النعيم، ومن خالفهم ضلَّ وغوَى وكان من الخاسرين.
ولما كان السلف رضي الله عنهم أكمل الناس علماً وعملاً وأشدَّ الناس اقتداء بالنبيِّ رغب –عليه الصلاة والسلام- في لزوم ما كان عليه هو وصحابتُه، وأمر بالتمسك بما كانوا عليه من الهدى، وأخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول وأصحابه، فقال: (إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)4. وفي رواية الترمذي: (كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً) قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)5.
وقد وقع ما أخبرَ به النبيّ من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية التي علِمت الحقَّ وعمِلت به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) سورة التوبة. وكلُّ فرقة منَ الفرق الإسلاميّة تزعم أنها على الحقِّ وغيرها على الباطل، ولكن ليس للدّعاوى وزنٌ عند الله ما لم يكن لها بينات من العلم النافِع والعمل الصالح، وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، وجلَّى أمرَها رسولُ الله؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ وعلى نورٍ من ربِّه، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40) سورة النــور.
فالصفة الجامعة لأوصاف هذه الطائفة أن يكونوا مثل الصحابة، أن يكونوا على ما كانوا عليه من الاعتقاد والعمل والأخلاق، وغير ذلك من صفاتهم.
عباد الله:
للفرقة الناجية القائمة بالحق صفات متى تحققت فيها حكم لها بأنها الفرقة الناجية, وأما الدعوى فليست دليل وحجة لمن ادعى..
فكلٌ يدعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاكا
فمن صفاتِ هذه الفِرقة الناجية الاتباعُ بإحسانٍ لسلف الأمّة السابقين -رضي الله عنهم- قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) سورة التوبة.
والاتباعُ هو الاقتداء بهم في توحيدِ العبادة لله تعالى بإفرادِ الدعاء لله وحدَه وإفرادِ الاستعانة والاستغاثة بالله وحدَه والاستعاذة، فلا يُدعَى مع الله غيره، ولا يُستعان بغيرِ الله، ولا يُشرَك مع الله -عزّ وجلّ- في أيِّ نوع من أنواع العبادة، وإثباتِ صفات الله -عزّ وجلّ- التي وصف بها نفسَه ووصفه بها رسوله إثباتَ معنى، لا إثباتَ كيفيّة، وتنزيهِ الربّ تبارك وتعالى عن كلِّ ما لا يليق به، فإنَّ السلف رضي الله عنهم كانت معاني صفات الله تعالى أظهرَ عندهم من معاني الأحكام العمليّة، ولذلك لم يسألوا عن معانيها كما سألوا في الأحكام، والوقوف حيث انتهَوا إليه في أمورِ العبادة وأحكام الدين.
ومِن صفاتِ فرقةِ الحقّ الناجية الاعتصامُ بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله وردُّ التنازع والاختلاف إلى ذلك، وتأويلُ القرآن وتفسيره بالقرآنِ وبالسنة وبأقوال الصحابةِ والتابعين، فإنَّ الله تعالى ذمَّ من اتَّبع المتشابِهَ وأوَّل بالرّأي، ومدح الرّاسخين في العلم المتّبعين غيرَ المبتدعين. قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ (103) سورة آل عمران. وقال -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) سورة النساء. ومِن صفات فرقة الحقّ الناجية التمسك بما أجمع عليه السلف وما أجمع عليه علماء الأمّة وعدم المشاقَّة لله ولرسوله، قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (115) سورة النساء.
ومِن صفات هذه الفِرقة الناجيةِ تعظيمُ قولِ رسول الله وسنّته والعنايةُ بآثارِه بحفظِها والذبِّ عنها والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) سورة النــور. وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) سورة النساء.
ومِن صفات فرقة الحق الناجية بذل الجهد في معرفة الحق ودلائله وعدم الرضا بأقوال الرجال في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتاب ولا سنّة ولا أصل أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18) سورة الزمر. وقال تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ومن صفات هذه الفرقة الناجية محبّة المؤمنين ورَحمة المسلمين ونُصحهم وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (54) سورة المائدة.
ومِن صفات هذه الفرقةِ الناجية سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم لسلفِ الأمّة -رضي الله عنهم- ومحبّتُهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10) سورة الحشر. وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفرق الإسلامية من سبِّهم ولعنهم للصّحابة وسبِّهم لخِيار الأمة وساداتِ الأولياء رضي الله عنهم.
هذه بعض صفاتُ الفرقة الناجية من الفِرق الإسلامية التي تسير على نهجِ سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم بإحسان، فكونوا على نهجهِم وسبيلِهم تفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة, وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون, وأستغفر الله لي ولكم, إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الولي الحميد الواسع المجيد، حكم عباده كوناً وشرعاً بما يريد، فقضى لهم ما تقتضيه حكمته، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم رحمة بهم، وهو أرحم الراحمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق أجمعين أعلم الخلق بالله، وأتقاهم لله، وأنصحهم لعباد الله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) سورة التوبة. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليم6.
أما بعد:
فإن من صفات الفرقةِ الناجية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدّعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتبليغ الحقِّ للناس، قال الله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) سورة آل عمران.
ويقول تبارك وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) سورة يوسف.
معشر المسلمين:
لقد حذّر رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- من مخالفةِ هديِه وهدي أصحابه الأخيار، فقال عليه الصلاة والسلام: (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)7.
قال الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) سورة هود.8
إن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي الجماعة, والجماعة هم الذين يسيرون وفق منهج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم- وأصحابه لا يعدلون عن ذلك ولا يحيدون عنه يميناً أو شمالاً, قال الشاطبي -رحمه الله-: "إن الجماعة ما كان عليه النبي –صلى الله عليه- وأصحابه والتابعون لهم بإحسان". فطريق الخلاص هو اتباع منهج أهل السنة والجماعة قولاً وعملاً واعتقاداً، وعدم مخالفتهم أو الشذوذ عنهم. قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وإن طريق الخلاص وعنوان السعادة التمسك بكتاب الله تعالى، ذلك الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وكذلك التمسك بالسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فإنهما أي الكتاب والسنة هما المصدران الوحيدان لعقيدة الإسلام وشريعته, فأي منهج جانب هذا الطريق فإنه منهج خاسر، فالتمسك بالسنة هو سبيل المؤمنين، وطريق الوصول إلى مرضاة رب العالمين، والحصن الحصين، وهذا هو المنهج الذي يحفظ الله به الأمة من بدع المبتدعين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين, وهو الطريق الذي صلحت به أحوال الأمة في صدر الإسلام، ولا فلاح لنا ولا نجاح إلا بالرجوع إليه, يقول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". وما صلح به أولها هو العمل بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومما ينبغي على المسلم في هذا الجانب أن يكون العمل بالكتاب والسنة مقيداً بفهم السلف الصالح ومنهجهم لقول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (115) سورة النساء. فاتباع سبيل المؤمنين وهم الصحابة وأتباعهم من الأئمة المهديين بإحسان هو سبيل النجاة.
فنسأله تعالى أن يوفق الأمة الإسلامية للتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم- واتباع سبيل المؤمنين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين9.
1 الفواكه الشهية في الخطب المنبرية لـ(السعدي).
2 رواه ابن ماجه -43- (1/50) وأحمد -16519- (35/7) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4369).
3 رواه البخاري –5948– (20/54) ومسلم -4603- (12/360).
4 رواه أبو داود -3- (12/196) وابن ماجه -3983- (11/494) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2042).
5 رواه الترمذي -2565- (9/235) وحسنه الألباني في تحقيق سنن الترمذي برقم (2641).
6 الضياء اللامع من الخطب الجوامع لـ(ابن عثيمين).
7 رواه أبو داود -3991- (12/211) والترمذي -2600- (9/287) وصححه الألباني في تحقيق سنن الترمذي برقم (2676).
9 كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة لـ(نخبة من العلماء.).