التوكل

التــوكل

التــوكل

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن التوكل على الله – تعالى- من شعب الإيمان العظيمة، ومن آثار التدين الصحيح كما قال – سبحانه -: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) سورة آل عمران، وقال عن رسله الكرام مخاطبين قومهم العصاة: وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) سورة إبراهيم.

وقد أخبر الله – تعالى- أنه يحب المتوكلين كما قال سبحانه في شأن رسوله: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران، وأمر بالتوكل في آيات عديدة كما قال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) سورة الفرقان.

إخواني:

إن التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر لقوله – تعالى-: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وقال سبحانه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ آل عمران (160)، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا سورة الأحزاب (3).

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا سورة الفرقان (58)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)1 ولابد مع التوكل من الأخذ بالأسباب، لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:

(أ) الاعتماد على الله، والثقة بوعده ونصره – تعالى-.

(ب) الأخذ بالأسباب المشروعة.

ولهذا قال – تعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ سورة الأنفال (60)، وعن عمرو بن أمية قال: قال رجل للنبي – صلى الله عليه وسلم -: أرسل ناقتي وأتوكل؟ قال: ( اعقلها وتوكل)2.

إن الاستعانة بالله والتوكل عليه من أعظم واجبات الإيمان، وأفضل الأعمال المقربة إلى الرحمن، فإن الأمور كلها لا تحصل ولا تتم إلا بالاستعانة بالله، ولا عاصم للعبد سوى الاعتماد على الله، فإن ما شاء الله كان؛ وما لم يشأ لم يكن، ولا تحول للعباد من حال إلى حال إلا بالله، ولا قدرة لهم على طاعة الله إلا بتوفيق الله، ولا مانع لهم من الشر والمعاصي إلا عصمة الله، وكذلك أسباب الرزق لا تحصل وتتم إلا بالسعي في الطلب مع التوكل على الله، فمن سعى في الأسباب المباحة، واعتمد على ربه، وشكر المولى إذا حصلت له المحبوبات، وصبر لحكمه عند المصائب والكريهات؛ فقد فاز ونجح واستولى على جميع الكمالات.

من علم أنه فقير إلى ربه في كل أحواله كيف لا يتوكل عليه؟! ومن علم أنه عاجز مضطر إلى مولاه كيف لا يستعين به وينيب إليه؟! ومن تيقن أن الأمور كلها بيد الله كيف لا يطلبها ممن هي في يديه؟! ومن علم بسعة غناه وجوده كيف لا يلجأ في أموره كلها إليه؟! ومن استيقن أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يطمئن قلبه إلى تدبيره؟! ومن علم أنه حكيم في كل ما قضاه كيف لا يرضى بتقديره؟! فيا أيها العبد المقبل على الخير إنك لن تناله إلا ببذل المجهود، والاستعانة والاعتماد على المعبود، ويا أيها المجاهد نفسه عن المعاصي والذنوب إنه لا يتيسر لك تركها إلا بقوة الاعتصام بعلام الغيوب، فإنه من توكل عليه كفاه، ومن استعان به واعتصم أصلح له دينه ودنياه، ومن أعجب بنفسه، وانقطع قلبه عن ربه؛ خاب وخسر أولاه وأخراه، فكم من ضعيف عاجز عن مصالحه قوي توكله على ربه فأعانه عليها، وكم من قوي اعتمد على قوته فخانته أحوج ما يكون إليها، ما ثَمَّ إلا عون الله وتوفيقه، فهو عدة المؤمنين، ولا فلاح ولا سعادة إلا بعبادة الله والاستعانة به، فهو المعبود حقاً وهو نعم المعين رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ سورة الممتحنة (4).

اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك، الراغبين في طاعتك، المنتهين عن معاصيك، اللهم أصلح قلوبنا وجوارحنا، واغفر ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.3


 


1 رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.

2 رواه ابن حبان، ورواه الترمذي من حديث أنس، وهو حديث حسن.

3 المراجع: الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، للقحطاني، والفواكه الشهية في الخطب المنبرية، للسعدي.