صلاة المريض وطهارته

صلاة المريض وطهارته

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد شرع اللّه  الطهارة لكل صلاة، فإن رفع الحدث وإزالة النجاسة – سواء من البدن، أو الثوب، أو المكان المصلىَّ فيه – شرطان من شروط الصلاة.

فإذا أراد المسلم الصلاة وجب عليه أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر، أو يغتسل إن كان حدثه أكبر، ولا بد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو أتى الغائط؛ لتتم الطهارة والنظافة، وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك:

فالاستنجاء بالماء واجب لكل خارج من السبيلين كالبول والغائط، وليس على من نام أو خرجت منه ريح؛ استنجاء، إنما عليه الوضوء؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة هاهنا، والاستجمار يكون بالحجارة، أو ما يقوم مقامها، ولا بد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة لما ثبت عن النبي  أنه قال: من استجمر فليوتر1، ولقوله  أيضاً: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه2، ولنهيه  عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار كما روى ذلك الإمام مسلم – رحمه الله -.

ولا يجوز الاستجمار بالرَّوث، والعظام، والطعام؛ وكل ما له حُرمة، والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة وما أشبهها كالمناديل، واللَّبِن ونحو ذلك، ثم يُتبعها الماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة، والماء يطهِّر المحل، فيكون أبلغ.

والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها؛ فعن أنس  قال: “كان النبي  يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء، وعنزة؛ فيستنجي بالماء”3.

وعن عائشة – رضي اللّه عنها – أنها قالت لجماعة من النساء: “مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، وإن رسول الله  كان يفعله”4.

وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف، وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نَقَى بهن المحل، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى يُنَقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر لقول النبي : من استجمر فليوتر5.

ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى؛ لقول سلمان في حديثه: “نهانا رسول الله  أن يستنجي أحدنا بيمينه”6، ولقوله : لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه7.

وإن كان أقطع اليسرى، أو بها كسر، أو مرض ونحوهما؛ استجمر بيمينه للحاجة ولا حرج في ذلك، وبما أن الشريعة الإسلامية مبنيَّة على اليسر والسهولة؛ فقد خفف الله  عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم، ليتمكنوا من عبادته – تعالى – بدون حرج ولا مشقة قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (سورة الحج:78)، وقال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (سورة البقرة:185)، وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (سورة التغابن:16)، وقال – عليه الصلاة والسلام -: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم8، وقال: إن الدين يسر9.

فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء – بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه، أو لخوفه من زيادة المرض، أو تأخر برئه – فإنه يتيمم، وهو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكَفَّيْه براحتيه لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ (سورة المـائدة:6)، والعاجز عن استعمال الماء حُكمه حكم من لم يجد الماء لقوله  لعمار بن ياسر  : إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه”10.

ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار، ولا يصح التيمم إلا بنيّة لقوله : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى11.

وللمريض عدة حالات:

1- إن كان مرضه يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تَلَفاً، ولا مرضاً مخوِّفاً، ولا إبطاء برءٍ، ولا زيادة ألٍم، ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع، ووجع ضرس ونحوها، أو من يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه؛ فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء، فوجب عليه استعماله.

2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس، أو تلف عضو، أو فوات منفعة، فهذا يجوز له التيمم لقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (سورة النساء:29).

3- وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة، ولا يجد من يناوله الماء؛ جاز له التيمم.

4- من به جروح أو قروح، أو كسر، أو مرض يضره من استعمال الماء، فأجْنَبَ؛ جاز له التيمم للأدلة السابقة، وإن أمكنه غَسْلَ الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، ويتيمم للباقي.

5- مريض في محل لم يجد ماءًا ولا تراباً، ولا من يحضر له الموجود منهما؛ صلى على حسب حاله، وليس له تأجيل الصلاة لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (سورة التغابن:16).

6- المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبَاَ طاهراً إن لم يشق عليه ذلك؛ وإلا عُفي عنه لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (سورة الحج:78)، وقوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (سورة البقرة:185)، وقوله : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم12، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه، أو جسمه، أو مكان صلاته.

ويبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء، أو وجوده إن كان معدوم13.

ولبيان خلاصة  أحكام طهارة وصلاة المريض نذكرها باختصار كالتالي:

كيف يتطهر المريض؟

1- يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر.

2- إن كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه، أو خوف زيادة المرض، أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم.

3- كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض.

4- فإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه، أو ييممه؛ شخص آخر.

5- إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحًا، فيبل يده بالماء، ويمرها عليه، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنه يتيمم عنه.

6-إذا كان في بعض أعضائه كسر مشدود عليه خرقة، أو جبس؛ فإنه يمسح عليه بالماء بدلاً عن غسله، ولا يحتاج للتيمم؛ لأن المسح بدل عن الغسل.

7- يجوز أن يتيمم على الجدار أو على شيء آخر طاهر له غبار، فإن كان الجدار ممسوحًا بشيء من غير جنس الأرض كالبوية فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار.

8- إذا لم يكن التيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء، أو منديل، ويتيمم منه.

9- إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول، ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية؛ لأنه لم يزل على طهارته، ولم يوجد ما يبطلها.

10- يجب على المريض أن يطهر بدنه من النجاسات، فإن كان لا يستطيع صلى على حاله.

11- يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة، فإن تنجست ثيابه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.

12- يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر، فإن تنجس مكانه؛ وجب غسله أو إبداله بشيء طاهر، أو يفرش عليه شيئًا طاهرًا، فإن لم يكن صلى على حاله، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.

13- لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة، بل يتطهر بقدر ما يمكنه، ثم يصلي الصلاة في وقتها، ولو كان على بدنه، أو ثوبه، أو مكانه؛ نجاسة يعجز عنها.

كيف يصلي المريض؟

1- يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائمًا، ولو منحنيًا، أو معتمدًا على جدار، أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه.

2- فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالسًا، والأفضل أن يكون متربعًا في موضع القيام والركوع.

3- فإن كان لا يستطيع الصلاة جالسًا صلى على جنبه متوجهًا إلى القبلة، والجنب الأيمن أفضل، فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.

4- فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا رجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة؛ صلى حيث كانت، ولا إعادة عليه.

5- يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع، وأومأ بالسجود. وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود، وأومأ بالركوع.

6- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود؛ أشار بعينيه فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض تغميضًا أكثر للسجود، وأما الإشارة بالأصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح، ولا أعلم له أصلاً من الكتاب، والسنة، ولا من أقوال أهل العلم.

7- فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس، ولا الإشارة بالعين؛ صلى بقلبه فيكبر، ويقرأ، وينوي الركوع والسجود، والقيام والقعود بقلبه، ولكل امرئ ما نوى.

8- يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها، ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شق عليه فعْلُ كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له، أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.

9- إذا كان المريض مسافرًا يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء؛ على ركعتين، ركعتين حتى يرجع إلى بلده، سواء طالت مدة سفره أم قصرت14.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه البخاري (160) ومسلم (237).

2 رواه أبو داود (40) والنسائي (44) وأحمد (25056) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (547).

3 رواه البخاري (151) ومسلم (271).

4 رواه الترمذي (19) والنسائي (46) وصححه الألباني.

5 سبق تخريجـه.

6 رواه مسلم (262)

7 رواه مسلم (267).

8 رواه البخاري (6858) ومسلم (1337).

9 رواه البخاري (39).

10 رواه مسلم (368).

11 رواه البخاري (1)  (1/3) ومسلم (1907) (3 /1515).

12 سبق تخريجه.

13 انظر : أحكام صلاة المريض وطهارته للعلامة ابن باز رحمه الله.

14 المصدر: موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.