الأذان والإقامة للنساء

الأذان والإقامة للنساء

الأذان والإقامة للنساء

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

اتفق جمهور الفقهاء على أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، سواءً كان أذانهنّ أو إقامتهنّ لجماعة النساء أو لنفسها منفردة1.

ويرى بعض العلماء أن النساء كالرجال في الأذان والإقامة، وفي ذلك يقول الشوكاني-رحمه الله- :" ثم الظاهر أن النساء كالرجال؛ لأنهن شقائق الرجال، والأمر لهم أمر لهنّ، ولم يرد ما ينتهض للجة في عدم الوجوب عليهنّ، فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون ولا يحل الاحتجاج بهم، فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذلك وإلّا فهن كالرجال"2. واختار هذا الرأي الشيخ محمد صديق خان، كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية3.وتبعه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، كما في السلسلة الضعيفة والموضوعة(2/271).

فإن أذّنت المرأة وأقامت لجماعة النساء أو لنفسها، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم ذلك على أربعة أقوال:

القول الأول: يكره لهنّ الأذان والإقامة، وهو مذهب الحنفية، ورأي لبعض المالكية، ووجه للشافعية، ومذهب الحنابلة.

والكراهة عند المالكية هنا تحمل على المنع، وصرّح بعض الحنابلة بعدم صحتهما منهنّ.

أدلتهم : استدلّ من قال بكراهة الأذان والإقامة للنساء، بما يلي:

أولاً: من السنة:

1-     حديث أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنه-قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة، ولا اغتسالٌ، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم في وسطهن)4.

2-     عن أم ورقة الأنصارية: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-جعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها"5. ووجه الدلالة : أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لما أذن لها أن تؤمّ أهل دارها لم يأمرها أن تؤذن هي ، أو امرأة من أهل دارها، بل جعل لها مؤذناً، فلو كان الأذان مشروعاً للمرأة لما أمرها باتخاذ مؤذن رجل.

ثانياً: من الآثار:

1-             ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-أنه قال:  "ليس على النساء أذان ولا إقامة"6.

2-             ما روي عن عائشة أنها قالت:" كنا نصلي بغير إقامة"7.

3-             ما روي عن أنس أنه سُئل هل على النساء أذان وإقامة قال: "لا، وإن فعلن فهو ذِكر"8.

ثالثاً من المعقول:

1-             أن الأذان في الأصل يشرع للإعلام، ولا يشرع للمرأة ذلك.9.

2-     أن الأذان يشرع له رفع الصوت, ولا يشرع للمرأة رفع الصوت، لما فيه من الفتنة10، ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة، كغير المصلي، وكمن أدرك بعض الجماعة.11.

3-             لأنه ليس على النساء الجماعة بل إن جماعتهنّ غير مستحبّة، فلا يكون عليهنّ الأذان والإقامة12.

القول الثاني: يكره لهنّ الأذان وتستحبّ الإقامة، وهو المشهور والمعتمد في مذهب المالكية، والصحيح عند الشافعيّة، ورواية عند الحنابلة.

إلّا أن الشافعية قالوا: لو أذّنت ولم ترفع صوتها لم يكره، وكان ذكراً لله، وإن رفعت وثم أجنبيّ حرم.

أدلتهم:

استدلّ أصحاب هذا القول بما يلي:

أولاً : من الآثار:

ما روي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-أنّه قال: " تقيم المرأة إن شاءت"13.

ثانياً: من المعقول:

1-     أن الأذان مشروع للإعلام بدخول الوقت وحضور الجماعة، ومشروعية الإقامة لإعلام النفس بالتأهب للصلاة فطلبت من الجميع ولو صبيّاً14.

2-     أن في الأذان ترفع المرأة صوتها فيكره لما فيه من الفتنة، وأمّا في الإقامة فلا ترفع صوتها؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين15.

القول الثالث: يستحبّ لهن الأذان والإقامة، وهو وجه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، دون رفع الصوت عند الشافعيّة. أمّا الحنابلة فعلى روايتين: الأولى مطلقاً, والثانية مع خفض الصوت.

استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

1-             ما روي عن عائشة-رضي الله عنها-:" أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء وتقوم وسطهن"16.

2-     ما روي عن ابن عمر أنه سئل هل على النساء أذان فغضب، وقال: ( أنا أنهى عن ذكر الله!!"17. وجه الدلالة أن الأثر دل  على أن الأذان والإقامة ذكر لله، وذكر الله لا يمنع منه أحد.

القول الرابع: يباح لهنّ الأذان والإقامة، مع خفض الصوت، وهو رواية عند الحنابلة.

 أدلة أصحاب هذا القول:

يمكن أن يستدلّ له بالجمع بين الآثار الواردة عن عائشة وابن عمر-رضي الله عنهما-حيث نُقل عن عائشة الفعل والترك، وأمّا ابن عمر فنقل عنه النفي وعدم النهي، فدلّ على جواز الأمرين.

قال الإمام البيهقي-بعد ذكره الأثرين الواردين عن عائشة-رضي الله عنه-:" وهذا إن صح  مع الأوّل فلا ينافيان، لجواز فعلها ذلك مرّةً وتركها أخرى لجواز الأمرين جميعاً"18.

و القول الرابع القائل بالإباحة، وأنه لا يسنّ للمرأة أذان ولا إقامة، يراه بعض أهل العلم وجيها لأسباب منها :

1- أن أبرز ما شرع له الأذان هو إعلام الناس كي يجتمعوا للصلاة والمرأة غير مطالبة بإجابة هذا النداء إذا سمعته، والأفضل لها أن تصليّ في بيتها، فلهذا لا يسنّ لها أذان ولا إقامة19.

2- أنه لم ينقل أن النبي-صلى الله عليه وسلم-ندب النساء إلى الأذان والإقامة أو علمهن ذلك، ولو كان مشروعاً في حقهنّ لعلمهن كما علمهن كيفية غسل الحيض والجنابة20.

3-   أنه بهذا القول يمكن الجمع بين الآثار الواردة عن بعض الصحابة في ذلك.21.

والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،


1 – الإفصاح لابن هبيرة(1/64-65). المبسوط(1/133).

2 – السيل الجرار(1/197-198).

3 – الدرر البهية(1/216).

4 – أخرجه البيهقي في السنن(2/169)، رقم(1960). وابن عدي في الكامل (2/620).

5 – أبو داود، وأحمد والحاكم،

6 – البيهقي في السنن الكبرى، وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير(1/521).

7 –  البيهقي في السنن الكبرى(2/170).

8 – ابن أبي شيبة في المصنف(2317).والبيهقي في السنن(2/170).

9 – المغني(2/80).

10 – المبسوط(1/133).

11 – المغني (2/80).

12 – بدائع الصنائع (1/152).

13 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/203)(2329).

14 – المغني(2/80).

15 – مغني المحتاج(1/135).

16 -أخرجه عبد الرزاق في المصنف(3/126) (5016)، وابن أبي شيبة، والبيهقي في السنن الكبرى. والحاكم في المستدرك.

17 -أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/202)(2324).

18 – السنن الكبرى للبيهقي(2/170).

19 – راجع: الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام.

20 – المصدر السابق.

21 – أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(356).