الالتفات أمام مكبر الصوت

 

 

 

الالتفات في الحيعلتين إذا أذّن المؤذن عبر مكبّر الصوت

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد :

 قبل أن نبدأ في الكلام على مسألة الالتفات في الحيلعتين في أذان المؤذن عبر مكبر الصوت، فإننا سنتكلم عليها من حيث هي كمسألة تكلم فيها العلماء الأوائل وفعلها مؤذنوا رسول الله، وكذلك من جاء بعدهم في عصر الصحابة، والتابعين.

فأقول: اتّفق جمهور الفقهاء القائلون بسنية الالتفات في الحيعلتين على أن المؤذن إذا التفت في الحيعلتين، يجعل وجهه يميناً وشمالاً. واختلفوا في كيفية ذلك على صفتين:

الأولى: أنه يقول:(حي على الصلاة) مرتين عن يمينه، ثم يقول عن يساره مرّتين:(حيّ على الفلاح).

وهو الصحيح عند الحنفية، والأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة.

الثانية: يقول عن يمينه:(حي على الصلاة)مرّة، ثم مرّة عن يساره، ثم يقول:(حيّ على الفلاح) مرّة عن يمينه، ثم مرّة عن يساره. وهو رأي لبعض الحنفية ووجه للشافعية، ورأي لبعض الحنابلة1.

ويمكن أن يستدلّ للصفة الأولى بأنها أقرب إلى لفظ الحديث في قوله:(يقول يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح).والحديث في مسلم برقم (777).

وللصفة الثانية بأن يكون لكل جهة نصيب منهما2.

وبعد أن تبين لنا قول الجمهور بسنية الالتفات في الأذان عند الحيعلتين، إلا أنها تبقى مسألة، وهي كيف يكون ذلك مع مكبر الصوت، هل ستبقى سنيتها؟ أم أن السنية تنتهي بإنتهاء العلة التي وجدت من أجله ألا وهو تبليغ الناس؟ هذا ما سوف نتكلم عليه في هذه العجالة:

إن هذه المسألة هي من المسائل المستجدة(النازلة) وذلك لحداثة مكبّر الصوت، فإذا أُذّن عبر هذا المكبّر فهل تستمر سنية الالتفات في الحيعلتين حينئذ أم أنها تزول؟ سيأتي ذكر الخلاف في ذلك.

منشأ الخلاف: يعود إلى أن الالتفات في الحيعلتين هل هو سنّة الأذان مطلقاً، أم لعلّة وهي إسماع مَنْ عن اليمين والشمال، فيكون أبلغ في الإعلام، فمن يرى أنه سنّة في الأذان مطلقاً كما هو الصحيح عند الحنفية، حيث قالوا بالالتفات في الحيعليتن في الأذان، ولو في حق المنفرد أو في من يؤذن المولود3. وعلى قولهم هذا تخرج هذه المسألة فيسنّ عندهم الالتفات عبر مكبّر الصوت.

ومن يرى أن الالتفات لعلّة، قال بالقاعدة المشهورة:” الحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً”4، وعليه فالعلّة منتفية إذا أذن عبر مكبّر الصوت؛ لأن صوته يتوزّع في جميع الجهات عبر مكبّر الصوت، بل إنه إذا التفت فإنه يضعف الصوت فيؤدّي إلى نقيض مقصود الشارع، وهو زيادة الإعلام.

ويلاحظ أن العلة هنا لم ينصّ عليها الشارع بل هي مستنبطة، وهو أحد مسالك العلّة المعتبر عند جمهور العلماء5.

وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين بعدم الالتفات عبر مكبّر الصوت، وعلّلوا ذلك بما تقدم6.فمن هؤلاء العلماء أعضاء اللجنة الدائمة فقد قدم إليهم هذا السؤال برقم(9854). وهو:

 هل يجوز تحريك الجسم أثناء كلمة حي على الصلاة؟ أم تحريك الرأس فقط، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟

الجواب: يشرع للمؤذن الذي يؤذن في غير ميكرفون أن يلتفت يميناً وشمالاً عند الحيعلة مع ثبوت قدميه؛ لأن ذلك ثبت من فعل مؤذن رسول الله  بحضرته  ، ولأنه أبلغ في إسماع النداء للصلاة لمن بعد عن المسجد.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءعضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

أما الشيخ الألباني-رحمه الله- فقد قال في “الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة”: “ولا بد من التذكير هنا بأنه لا بد للمؤذنين من المحافظة على سنة الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين ، فإنـهم كادوا أن يُطبِقوا على ترك هذه السنة ؛تقيداً منهم باستقبال لاقط الصوت، ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين واليسار قليلاً بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها ، والتبليغ الكامل .

ولا يقال : إن القصد من الالتفات هو التبليغ فقط، وحينئذ فلا داعي إليه مع وجودالمكبر؛ لأننا نقول : إنه لا دليل على ذلك ، فيمكن أن يكون في الأمر مقاصد أخرى قدتخفى على الناس، فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال”7 .

هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل,

والحمد لله رب العالمين،،،


1 – راجع: فتح القدير(1/244).

2 – فتح الباري(2/136).

3 – البحر الرائق(1/272).

4 – شرح مختصر الروضة  للطوقي(3/315).

5 – المصدر السابق(3/381).

6 – انظر فتاوى ابن إبراهيم(2/123)، وفتاوى اللجنة الدائمة (6/58). رقم (9854).

7 – الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة الجامعة ص (17).