شروط القدوة

شروط القدوة

شروط القدوة

 

الحمد لله الذي شرع الشرائع وبين الأحكام، وفصل مسائل الحلال والحرام، وجعل الأمة المحمدية على بصيرة ونور مدى الأيام، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأتم سلام.. أما بعد:

فإن الإمام في محرابه قدوة لمن خلفه من المصلين، وإماماً لهم في صلاتهم، ولعظم هذه المسؤولية أطلق على عمله هذا "الإمامة الصغرى".

ومتابعة المأموم لإمامه لازمة في أمور يعبر عنها بعضهم -بشروط القدوة- الأول: أن يتبع المأموم إمامه في تكبيرة الإحرام فلو تقدم المأموم على إمامه أو ساواه في حرف من تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلا وإذا شك في تقدمه على إمامه بتكبيرة الإحرام فإن صلاته تبطل بشرط أن يحصل له هذا الشك أثناء الصلاة، أما إذا شك في ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإن شكه لا يعتبر ولا تجب عليه الإعادة.

الثاني: أن لا يسلم المأموم قبل سلام إمامه، فلو وقع منه ذلك بطلت صلاته، أما إذا سلم معه فإن صلاته تصح مع الكراهة، وإذا شك في أنه سلم قبل الإمام بطلت صلاته.

الثالث: أن لا يسبق المأموم إمامه بركنين من أركان الصلاة ولهذا المأموم حالتان: أن يكون المأموم مسبوقا وهو الذي لم يدرك مع إمامه ذلك الزمن، فإذا كان مدركا وسبق إمامه بركنين كأن ترك إمامه قائماً ثم ركع وحده ورفع من الركوع وهوى للسجود ولم يشترك مع إمامه فإن صلاته تبطل بشروط: الأول: أن يسبقه بركنين كما ذكرنا فلو سبق المأموم إمامه بركن واحد كأن ترك إمامه يقرأ ثم ركع وحده ولم يرفع من ركوعه حتى ركع إمامه وشاركه في ركوعه فإن صلاة المأموم لا تبطل بذلك السبق ولكن يحرم على المأموم أن يسبق إمامه بركن واحد فعلي بغير عذر.

الثاني: أن لا يكون الركنان فعليان لا قوليان، فإذا سبق المأموم إمامه بركنين قوليين كأن قرأ التشهد وصلى على النبي قبل إمامه فإن ذلك لا يضر، سواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا وإذا سبق إمامه بركنين: أحدهما قولي والآخر فعلي كأن قرأ الفاتحة قبل إمامه ثم ركع قبله فإنه يحرم عليه سبقه بالركوع أما سبقه بقراءة الفاتحة فإنه لا شيء فيه.

الشرط الثالث: أن يسبقه بالركنين عمداً أما إذا ركع قبل إمامه ورفع جهلا فإن صلاته لا تبطل، وكذا لو فعل ذلك نسيانا، ولكن يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع ويتبع إمامه متى ذكر ويلغي ما عمله وحده ومثل ذلك ما إذا لو فرض وتعلم الجاهل وهو في الصلاة فإنه يجب عليه أن يرجع ويتبع إمامه وإلا بطلت صلاتهما.

هذا حكم ما إذا كان المأموم مدركا وسبق إمامه بركنين فعليين عمدا أو جهلا أو نسيانا أو سبقه بركنين قوليين أو بركن قولي وركن فعلي. أما إذا كان المأموم مدركا وتخلف عن إمامه بأن سبقه إمامه كما إذا كان المأموم بطيء القراءة والإمام معتدل القراءة فإنه في هذا الحال يغتفر للمأموم أن يتخلف عن إمامه ولا يتبعه في ثلاثة أركان طويلة وهي: الركوع والسجدتان. أما الاعتدال من الركوع أو من السجود والجلوس بين السجدتين فهما ركنان قصيران فلا يحسبان في تخلف المأموم عن إمامه، فإذا سبقه الإمام بأكثر من ذلك كأن لم يفرغ المأموم من قراءته إلا بعد شروع الإمام في الركن الرابع فإن عليه في هذه الحالة أن يتبع إمامه فيما هو فيه من أفعال الصلاة ثم يقضي ما فاته منها بعد سلام الإمام، فإن لم يتبع إمامه قبل شروعه في الركن الخامس فإن صلاته تبطل ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون المأموم المدرك مشغولا بقراءة مفروضة أو بقراءة مسنونة كدعاء الافتتاح.

هذا حكم المأموم المدرك وهو الذي ذكرناه في الحالة الأولى أما الحالة الثانية للمأموم المسبوق وهو الذي لم يدرك مع إمامه زمنا يسع قراءة الفاتحة فهي أنه يسن له أن لا يشتغل بسنة بل عليه أن يشتغل بقراءة الفاتحة، ثم إذا ركع إمامه وهو يقرأ الفاتحة فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الركوع ويسقط عنه في هذه الحالة ما بقي عليه من قراءة الفاتحة، فإن لم يتبع الإمام في الركوع في هذه الحالة حتى رفع الإمام فاتته الركعة ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف عن الإمام بركنين فعليين، كأن يترك إمامه يركع ويرفع من الركوع ويهوي للسجود وهو واقف يقرأ الفاتحة، فإذا اشتغل المسبوق بسنة كقراءة دعاء الافتتاح فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يتخلف عن الإمام ويقرأ بقدر هذا الدعاء من الفاتحة، فإذا فرغ من ذلك وأدرك الركوع مع الإمام احتسبت له الركعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع وأدركه في هذا الرفع فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الرفع من الركوع، ولا يركع هو وتفوته الركعة، فإذا لم يفرغ من قراءة ما عليه وأراد الإمام الهوي للسجود فيجب على المأموم في هذه الحالة أن ينوي مفارقة إمامه ويصلي وحده، فإن لم ينو المفارقة عند هوي الإمام للسجود في هذه الحالة بطلت صلاته سواء هوى معه للسجود أو لا.

هذا حكم المأموم المسبوق.

وبقي في الموضوع أمور: منها إذا سها المأموم عن قراءة الفاتحة ثم ذكرها قبل ركوع الإمام وجب عليه التخلف عن الإمام لقراءة الفاتحة ويغفر له مفارقة الإمام بثلاثة أركان طويلة كما تقدم أما إذا تذكرها بعد ركوعه مع الإمام فلا يعود لقراءتها، ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعة، وإذا لم يقرأ الفاتحة انتظارا لسكوت إمامه بعد الفاتحة فلم يسكت الإمام وركع قبل أن يقرأ المأموم الفاتحة فإنه يكون في هذه الحالة معذورا، ويلزمه أن لا يتبع إمامه في ركوعه، بل عليه أن يقرأ الفاتحة ويغتفر له عدم المتابعة في ثلاثة أركان طويلة، وهي الركوع والسجودان، وعليه أن يتم الصلاة خلف الإمام حسب الحالة التي هو عليها سواء أدرك الإمام في أفعاله أو لا.

هذا إذا كان الإمام معتدل القراءة أما إن كان سريع القراءة وكان المأموم موافقا لإمامه فإنه يقرأ ما يمكنه من الفاتحة ويتحمل عنه الإمام الباقي، ولا يغتفر له التخلف عن إمامه بثلاثة أركان طويلة.1


 


1 الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري. 1/668 .