دقات قلب المرء قائلة له

دقات قلب المـرء قائلة له

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:

فحتى لا بتبدد وقتك – أخي المسلم -، ونحن نتحدث عن الوقت وأهميته؛ تمهل قليلاً، وتأمل هذه الأسئلة، ثم أجب عليها بصدق واصفاً حالك:

هل تردد كثيراً: “ليس لديّ وقت لإنجاز ما أود القيام به؟ وهل تتأخر دائماً عن مواعيدك؟ وهل تأخذ المهمات التي تقوم بها وقتاً أكبر مما تحدده لها؟ هل تتضارب مواعيدك مع بعضها؟

هل تقدم تنفيذ العمل الذي تحبه أو الأكثر إلحاحاً على العمل الأهم؟ هل تفاجئك الأزمات، وبعدها تتصرف وتتخذ الإجراءات حسبما يتفق لك، وتسمح به الظروف، وليس بما تخطط له؟

إذا كانت إجاباتك على كل ما سبق بـ(لا) فأنت بالتأكيد أحد شخصين: إما إنك منظم جداً تعرف كيف تستثمر وقتك جيداً، وإما إنك صاحب أهداف متدنية، ولا تجد ما تشغل فراغك به، فإذا كنت كذلك فابحث لنفسك عن هدف يملأ عليك حياتك.

أما إذا كانت إجاباتك بـ(نعم) حتى ولو على تساؤل واحد منها فأهلاً بك ضيفاً في مصحة (إدارة الوقت)، ولكن قبل أن ندخل سوياً هذه المصحة هل تعترف فعلاً أنك مريض وبحاجة إلى علاج؟

إن اعتراف المرء بأن العيب في ذاته هو أول خطوة على الطريق الصحيح، ولعلك كنت تنتظر من هذا المقال أن يرشدك إلى أدوات خارج ذاتك لإدارة وقتك، وإذا كان الأمر كذلك فانتبه إلى أن أهم الممتلكات (الذي يسمى بالوقت) يوزع بالتساوي على كل البشر بغض النظر عن المرحلة السِّنية، أو الموقع الوظيفي، أو المكان الجغرافي، أو الاعتقاد الديني، فكل شخص لديه (7) أيام في الأسبوع، و(24) ساعة في اليوم، حتى الذين يحركون النظام العالمي الجديد أو القديم لا يملكون إلا ما تملكه أنت من الوقت.

قد تقول: إن تحت أيديهم إمكانات هائلة؟ نقول: هذا صحيح، ولكنك أيضاً لا تدير النظام العالمي، وليس لديك أهدافهم، ولا طموحاتهم, ونحن إنما نتحدث عن إدارتك لبيتك أو لعملك أنت، نتحدث عن هدفك أنت، وطموحاتك أنت .. إذن: هل الوقت هو المشكلة أم إننا نحن المشكلة؟

إن أكثر الأشياء فائدة والتي يمكن أن تقوم بها عندما تسيء التصرف في وقتك هي أن تعترف بذلك، فما دمت مستمراً في الإنكار أو التسويغ فلن تحل المشكلة، فإذا أدركت ذلك، ورغبت أن تنتزع وقتاً لك؛ فإنه ينبغي أن تكون راغباً في ذلك فعلاً .. فهل أنت راغب؟

نحن الآن نتحدث إلى صنف من الجادين في حياتهم، المخلصين في أعمالهم، كثير منهم يسهر على إنجاز عمله، ويتفانى في ذلك، ولكنه لا يحسن استثمار وقته، ولا يدرك أنه بقدر من المعرفة والممارسة يمكنه أن يحقق نتائج أفضل مثل غيره أو أكثر منهم، ولأنك لا تستطيع السيطرة على مقدار الوقت ذاته فأنت في حاجة إلى إدارة ذاتك من خلال السيطرة على استخدام الوقت1.

أخي المسلم:

ولكي نصل إلى معالجة الداء الذي أصابنا من إضاعة الوقت وإهداره فعلينا أن نستشعر أن الإسلام اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى إدارة وقت العمل، ذلك أن الإسلام اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة، وحثه على اغتنامه، وعدم إضاعته، فهو من الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة فعن أبي برزة الأسلمي  قال: قال رسول اللّه  : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه 2

وإن الإسلام نظم حياة المسلم ووقته، فقد نظم نومه واستيقاظه، وأداءه للشعائر، وانطلاقه إلى ميدان الحياة؛ ليجعل عمله كله عبادة لله ​​​​​​​ يقوم على أساس الشعائر كلها، وعلى أساس من ذكر الله الملازم له.

وإذا أردنا أن نقدر أعمار هذه الأمة فلنسمع إلى حديث أَبي هريرة  قال: قال رسول اللَّه : أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينِ إلى السّبعِينِ، وأقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ3 فإذا أخذنا بفرضية أن العمر سبعون سنة فاعلم – رحمك الله – بأن كل خمس دقائق تقضيها يومياً تقدر من إجمالي عمرك بثلاثة أشهر تقريباً، وأن كل ساعة تقضيها يومياً تقدر بثلاث سنوات من إجمالي عمرك، وإذا علمت ذلك فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه، وحاول أن تقدر الأمر كما ينبغي فتسأل نفسك: لم؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ ونظم وقتك لكي لا تفقد الكثير منه بدون فائدة، وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وتقول: ليتني فعلت وليتني قلت!

واعلم غفر الله لي ولك إنك مسؤول عن هذا الوقت، فإن لم يكن لك فهو عليك! وأن المغزى من خلق الخلق هو عبادة الله، وهذا هو الهدف الحقيقي والرئيس الذي يجب أن يكون في حياتك، وعلى جوارحك أن تتحرك وتعمل لتحقيق هذا الهدف، وأن باقي الأعمال يفترض أن يصب في صالح هذا الأمر.

والإمام ابن القيم – رحمه الله – يبين هذه الحقيقة بقوله: “وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته .. فإذا قطع وقته في الغفلة، والسهو، والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة؛ فموت هذا خير من حياته”.

ويقول ابن الجوزي: “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل”4

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 من مجلة البيان العدد 128 ص 28 ربيع الثاني 1419هـ.

2 رواه الترمذي والطبراني واللفظ له، وهو حديث صحيح.

3 رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني وغيره.

4 من موقع صيد الفوائد، بتصرف.