اذان صاحب الصوت الندي

آذان صاحب الصوت الندي

 

آذان صاحب الصوت الندي

 

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإنَّ من الصفات المستحبة في المؤذن، أن يكون صيتاً، حسن الصوت فصيحاً، وهذه صفة اتفق الفقهاء على استحبابه1. واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به فإنه أندى صوتاً منك)2. ومعنى: (أندى) أي أرفع وأعلى وأبعد، وقيل أحسن وأعذب3. واستدلوا كذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار أبا محذورة للآذان لكونه صيتاً، وذلك في قصة إسلامه، وطلب أبو محذورة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعله مؤذناً بمكة- فقال: (قد أمرتك به)4. واستدلوا أيضاً بما روي أن مؤذناً أذن فطرَّب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-: أذِّن أذاناً سمحاً و إلاَّ فاعتزلن5. واستدلوا أيضاً بأن المقصود من الأذان الإعلام، وإذا كان المؤذن صيتاً ما أبلغ في الإسماع6. ولأن المؤذن إذا كان حسن الصوت فإنه يكون أرق لسامعيه، فيميلون إلى الإجابة7. فصاحب الصوت الحسن له تأثير عجيب في جذب قلوب الناس، وهز في قلوبهم الشوق إلى علام الغيوب، ومن ثم إتيانهم إلى المسجد لأداء الصلاة. فمن المشاهد أن المصلين في المسجد الذي مؤذنه حسن الصوت أكثر عدداً من غيره. ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يختار للأذان مؤذنين ذوي أصوات حسنة، كبلال بن رباح، وأبي محذورة، وابن أم مكتوم، ولذلك لما أذَّن بلال في عهد عمر ارتجت المدينة بالبكاء، وخرج الرجال والنساء إلى سكك المدينة، متذكرين وسائلين هل بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فما أجمل تلك الأصوات التي تجلل بالنداء من فوق تلك المنائر الشامخة شموخ الكلمات المنبعثة منها؟. إنها توحد الله، وتدعو إليه، وتعلم بدخول وقت الصلاة، التي أجل العبادات عند الله ومن أجلها شرع الآذان.

والله أعلم، وصلى الله على  نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 – راجع بدائع الصنائع(1/149). وفتح القدير(1/248). والمهذب مع المجموع(3/110). والمغني(2/70).

2 – أخرجه أبو داود في متاب الصلاة، باب كيف الآذان( سنن أبي داود(1/244 رقم(499)). وغيره. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود(1/98) رقم(469). وفي إرواء الغليل(1/50) رقم(246).

3 – النهاية(5/32). ولسان العرب(14/97).

4 – القصة رواها مسلم مختصرة (1/287) رقم (379)، وأحمد مطولة (3/409). وغيرهما.

5 – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/207 برقم(2375).

6 –  مواهب الجليل(1/437). ومغني المحتاج(1/138) والكافي لابن قدامة( 103).

7 –  الأم(1/87) المغني(2/70). ومغني المحتاج(1/138).