التثويب المحدث
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد دلت السنة النبوية الصحيحة على سنية التثويب لصلاة الفجر، وهو أن يقول المؤذن: " الصلاة خير من النوم" مرتين، بعد أن يقول: "حي على الفلاح".. فهذه مسألة لا خلاف فيها بين من يعتد به، ولكن ثمة بدع أحدثها بعض المؤذنين في الأذان والإقامة، ومن ذلك: التثويب المحدث، وهو أن يقول المؤذن بين الأذان والإقامة: "حي على الصلاة، حي على الفلاح، مرتين أو أي عبارة أخرى حسب ما تعارف عليه أهل كل بلدة، كتنحنح، أو الصلاة الصلاة، أو قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، ونحو ذلك"1، وبعض المؤذنين يقول بين الأذان والإقامة: "الفاتحة…" إلخ.. من أجل أن يشعر الحاضرين بأنه قد اقترب وقت إقامة الصلاة، فيتهيئوا.. ثم يقيم الصلاة بعد خمس دقائق، أو نحواً من ذلك.
فما حكم هذا الفعل؟
اختلف الفقهاء في حكمه على قولين:
القول الأول: أنه مكروه في جميع الصلوات، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وأكثرهم اعتبره بدعة2..
واستدلوا على ذلك بالأدلة الدالة على مشروعية التثويب، وكذلك الأدلة الدالة على اختصاصه بأذان صلاة الفجر.
ووجه الدلالة من ذلك أنه قد جاء في الأدلة تفسير التثويب وهو قول المؤذن: "الصلاة خير من النوم" مرتين، وفيها أيضاً اختصاصه بأذان صلاة الفجر دون غيرها، بل جاء في بعضها النهي عن التثويب في غير أذان صلاة الفجر..
أما هذا التثويب الذي سبق تعريفه، فإنه محدث مبتدع لم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا الصحابة، وإنما وجد في زمن التابعين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه مسلم.
القول الثاني في هذه المسألة: أنه مستحب، وهو قول الحنفية، إلا أن المتقدمين منهم خصوه بصلاة الفجر، والمتأخرين استحسنوه في جميع الصلوات3.
واستدلوا على ذلك بالمعقول، فقالوا: إن الناس قد ازدادت بهم الغفلة، وتهاونهم بأمور الدين، وقلما يقومون عند سماع الأذان، فيستحسن هذا التثويب للمبالغة في الإعلام، من باب التعاون على البر والتقوى4..
فهذا القول مرجوح والدليل الذي استدلوا به مردود من وجهين:
الأول: أنه اجتهاد في مقابلة النص.
الثاني: أنه لما لم تجز الزيادة في الأذان لم يجز أن يصله بما ليس منه كالخطبة والصلاة وسائر العبادات5.
وعليه فالقول الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور أنه لا يشرع هذا التثويب في أذان صلاة الفجر وغيرها من الصلوات، وذلك لما يلي:
دلالة السنة الصريحة على تفسير التثويب المشروع ومكان مشروعيته، يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم" مرتين في أذان صلاة الفجر، فوجب الاقتصار على ما ورد في السنة.
أن فيه إلحاقاً للأذان بما ليس منه6، وهو أمر محدث مبتدع، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة7.
إذن خلاصة المسألة أن التثويب الذي يفعله بعض المؤذنين بين الأذان والإقامة محدث، وليس عليه دليل من كتاب ولا من سنة، فيجب التمسك بالسنة، وأنه لا تثويب في غير صلاة الفجر، لورود الدليل في ذلك. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 أحكام الأذان والنداء والإقامة(96).
2 يراجع: الذخيرة (2/46-47). مواهب الجليل(1/431). المغني(2/16). كشاف القناع(1/282).
3 ينظر: المبسوط(1/130). بدائع الصنائع(1/148). البناية(2/111). والبحر الرائق(1/275).
4 أحكام الأذان والنداء والإقامة(97- 98).
5 الفروع(1/274).
6 للمزيد يراجع: المبسوط(1/131) بدائع الصنائع(1/148- 149). الذخيرة(2/46- 47). مواهب الجليل(1/431) المهذب(3/131) المجموع(3/132) الفروع(273- 274) كشاف القناع(1/282).
7 ينظر: أحكام الأذان والنداء والإقامة(97- 98).