الدعاء بين الأذان والإقامة

 

 

الدعاء بين الأذان والإقامة

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد:

فقد خلق الله الخلق لعبادته، ومن رحمته بهم وفضله عليهم أن نوَّع لهم العبادات،فشرع لهم عبادات قولية، وعبادات فعلية، وعبادات ظاهرة، وعبادات باطنة، وعبادات مالية وعبادات بدنية، وعبادة مشتركة بين البدن والمال، ومن العبادات التي شرعها الله لعباده: الدعاء.

فقد سمى الله – تعالى- الدعاء عبادة في كتابه الكريم فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ سورة غافر(60)، وقد جاء في الحديث عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – عن النبي قال: (الدعاء هو العبادة)1،ثم قرأ الآية السابقة.

ولذلك فقد حث – تبارك وتعالى – على الدعاء على كل حال فقال: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ سورةالأعراف(55)، والدعاء يستحب في كل زمان ومكان، وعلى كل حال، ومن كل شخص، لأن الله قد قال لنبيه  : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ سورة البقرة(186)، بل جاء في الحديث الذي الصحيح عن أبي هريرة   قال: قال رسول الله  :  (من لم يسأل الله يغضب عليه)2.

وصدق الشاعر:

لا تسألنَّ بُنَيَّ آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدم حين يُسأل يغضب3

إلا أن الدعاء في بعض الأزمنة والأمكنة والأحوال أرجى إجابة، ومن هذه الأزمنة التي يكون الدعاء فيها مجاب: الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لما جاء في الحديث  عن أنس بن مالك   قال: قال رسول الله  : (لايرد الدعاء بين الأذان والإقامة)4، ومعنى لا يرد أي ممن توفرت فيه شروط الدعاء، وانتفت موانعه، لأنه قد جاء في أحاديثأخرى عدم الاستجابة لمن اتصف بصفات معينة، يقول ابن القيم: “هذا مشروط بما إذا كان للداعي نفس فعالة، وهمة مؤثرة، فيكون حينئذ من أقوى الأسباب في دفع النوازل والمكاره، وحصول المآرب والمطالب، لكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله،وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون كالقوس الرخو، فإن السهم يخرج منه بضعف، وإما لحصول مانع من الإجابة كأكل حرام، وظلم، ورين ذنوب، واستيلاء غفلة، وسهو ولهو، فيبطل قوته أو يضعفها”5.

فينبغي للمؤمن أن يستغل وقت ما بين الأذان والإقامة، ومن الدعاء الذي ينبغي للمسلم أن يحرص عليه عند الأذان أن يردد كلمات الأذان بعد المؤذن، ثم يتبع ذلك بالدعاء المأثور الذي أرشدنا إليه النبي ؛ كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب   قال: قال رسول الله  : (إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة).

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)رواه مسلم.

وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنَّ رسول الله ﷺ  قال: (من قال حين يسمع النداء: “اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته” حلت له شفاعتي يوم القيامة)رواه البخاري.

إذن المستحب لمن يسمع الأذان أن يردد بعد المؤذن فيقول مثلما يقول، إلا عند قول المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، كما صح بذلك الخبر، ثم بعد أن يفرغ من الترديد يصلي على محمد ، ثم يدعو فيقول: “اللهم رب هذه الدعوة التامة…” إلخ.

ثم بعد ذلك يركع السنة القبلية، ثم يتفرغ للدعاء والذكر، وقراءة القرآن.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمرضاته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


1  رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه، وقال الألباني: “صحيح”؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(1312)، وفي غيرها من كتبه..

2 أخرجه الترمذي، وقال الألباني: “صحيح”؛كما في صحيح الترمذي، رقم(2686).

3  فيض القدير(1/556).

4 رواه أبو داود،، وقال الألباني: “صحيح”؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(489).

5  فيض القدير(3/541).