السعي إلى الصلاة

 

 

 

 

السعي إلى الصلاة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله -تبارك وتعالى- قد أمر عباده المؤمنين بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال الصالحة التي تقربهم منه تبارك وتعالى؛ فقال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ سورة آل عمران(133). وقال تعالى: سَابِقُواإِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ سورةالحديد(21)؛ فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولهذا قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ سورة الواقعة(10)  (11) (12).

والسعي إلى الصلاة المذكور في الآية في سورة الجمعة ليس معناه الجري إليها، وإنما التبكير والاستجابة للنداء لاستماع الخطبة كاملة.

وقد نهى النبي   عن السعي إلى الصلاة (أي الجري والسرعة في المشي) لإدراك ركعة أو ركعات؛ لما في ذلك من مخالفات عديدة.

إن الذي يتأخر عن الصلاة ثم يأتي إليها مسرعاً قد ارتكب مخالفتين:

الأولى: أنه فاته أجر التبكير إلى الصلاة، وفاتته تكبيرة الإحرام التي من أدركها مع الإمام أربعين يوماً كتبت له براءتان براءة من النفاق وبراءة من النار؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله  : (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق)1.

الثانية: أنه بفعله ذلك ارتكب محذوراً شرعياً نهى عنه النبي ،وهو الإسراع والسعي، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي قتادة   قال: بينما نحن نصلي مع النبي إذ سمع جلبة رجال -صوت الحركة والكلام والاستعجال- فلما صلَّى قال: (ما شأنكم؟). قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: (فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة – أي الهدوء والتأني في الحركة-فما أدركتم فصلوا ومافاتكم فأتموا) أي أكملوه وحدكم.

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة   عن النبي قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) قال النووي في قوله: (وعليكم بالسكينة والوقار) قيل: هما بمعنى، وجمع بينهما تأكيداً، والظاهر أن بينهما فرقاً، وأن السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، ونحو ذلك، والوقار في الهيئة، وغض البصر، وخفض الصوت، والإقبال على طريقه بغير التفات، ونحو ذلك”2.

وقد جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة   بيان العلة في النهي عن ذلك؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله   قال: (إذا ثوب للصلاة –إذا أقيمت– فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة)..

الشاهد من الحديث قوله: (فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة) فالمسلم لما يخرج من بيته قاصداً الصلاة متطهراً فكأنه في صلاة. قال العلماء: “والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها، ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الأحوال”3..

فالذي ينبغي للإنسان أن يأتي الصلاة بسكينة ووقار وطمأنينة، وإذا كان حريصاً على إدراك الركعة الأولى، أو تكبيرة الإحرام، فليأت المسجد مبكراً، وإذا تأخر عن ذلك فعليه أن لا يأتي الصلاة مهرولاً، يسابق نفَسه، ويزاحم الناس في الطريق.

والسعي المذكور في سورة الجمعة معناه: الذهاب، والتبكير إلى الصلاة، وأنه إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فإنه يحرم البيع والشراء، وكل ما يشغل عن الذهاب إلى الصلاة، كما أن في الآية الحث على التبكير إلى الصلاة، والتحريض على أن يأتي المسلم إلى المسجد مبكراً، وذلك لما في التبكير إلى الجمعة من عظيم الأجر والثواب، كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة   أن رسول الله قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).. والملائكة إذا كان يوم الجمعة قعدوا على أبواب المساجد يسجلون الداخلين إليها على حسب دخولهم الأول فالأول؛

فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة   قال: قال النبي  : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر) فالذين يأتون الجمعة بعد جلوس الإمام على المنبر حرموا هذه الفضائل العظيمة، وفاز بها المسارعون المبكرون.

قال النووي-رحمه الله-: “والمراد بقول الله تعالى:فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ  الذهاب، يقال: سعيت في كذا، أو إلى كذا إذا ذهبت إليه، وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى4سورة النجم(39)، وقال المناوي -رحمه الله-: “وأما قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ سورة الجمعة(9) فليس المراد به الإسراع، بل الذهاب، أو هو بمعنى العمل والقصد؛ كما تقول: “سعيت في أمري”5.

فليحرص المسلم على المحافظة على الصلاة، وأن يبكر لها، وأن تكون الصلاة عنده ذا أهمية بالغة، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


1 رواه الترمذي، وقال الألباني: “حسن لغيره”؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(409).

2 شرح النووي على مسلم(5/99).

3 شرح النووي على مسلم(5/99).

4 شرح النووي على مسلم(2/99).

5 فيض القدير(1/294).