سهو الإمام سهوٌ للمأموم

سهو الإمام سهوٌ للمأموم

سهو الإمام سهوٌ للمأموم

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به، ولذا فعلى المأموم أن يتابعه في ركوعه وسجوده، وقيامه وقعوده، ومن متابعة الإمام متابعته في سجود السهو، فلو سها الإمام في صلاته ولم يسهُ المأموم فهل يسجد المأموم مع الإمام للسهو متابعة له، أم ينتظره قاعداً حتى يسلم معه، أم يفارقه بأن يسلم قبله؟

إن المأموم في هذه الحالة مطالب باتباع إمامه في سجود السهو، ففي دقائق أولي النهى ممزوجاً بمنتهى الإرادات، وهو حنبلي:

"وليس على مأموم سها دون إمامه سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يسه، أو يسجد بعد سلامه؛ لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه"1، وقد صح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه لما سجد لترك التشهد الأول والسلام من نقصان سجد الناس معه، ولعموم: (وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا)2، فيسجد المأموم متابعة لإمامه ولو لم يتم المأموم ما عليه من واجب تشهد، ثم يتمه بعد سلام إمامه؛ لحديث: (وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا)، ولا يعيد السجود لأنه لم ينفرد عن إمامه3.

قال في الفواكه الدواني: "وإذا سها الإمام عن شيء يوجب السهو عنه السجود، وسجد لسهوه فليتبعه في السجود وجوباً من لم يسه معه ممن خلفه، وأولى من حضر معه السهو وإن أتى به؛ لأن القاعدة أن كل ما يحمله الإمام عن المأموم يكون سهو الإمام سهواً للمأموم, وإن فعله أو لم يحضر موجبه"4.

ومن لم يتبع الإمام في هذا السجود عامداً عالماً بتحريم عدم المتابعة بطلت صلاته، ففي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي وهو شافعي: "هل تجب متابعة الإمام في سجود السهو فوراً؟ (فأجاب) بقوله: نعم يجب ذلك، فإذا فرغ الإمام من السجدتين ولم يسجد المأموم بطلت صلاته إن كان عامداً عالماً بالتحريم، انتهى.

هذا الحكم في حالة ما إذا كان المأموم غير مسبوق، أما إذا كان مسبوقاً فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب الأكثرون إلى أنه ينتظره حتى يسجد للسهو فيسجد معه، ثم يقوم فيتم ما فاته، ودليلهم هو قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)5، وإذا لم يسجد معه كان ائتمامه به ناقصاً، هكذا قال الجمهور.

وذهب المالكية إلى أنه لا يتابعه، وتبطل صلاته بمتابعته له متعمداً؛ لأن المتابعة تنقطع بالسلام، وعليه أن يقوم ليتم ما فاته، ثم يسجد للسهو.

وهناك تفصيل للإمام أحمد – رحمه الله – فقد قال ابن قدامة في المغني: فصل: إذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد إمامه بعد السلام فحكمه حكم القائم عن التشهد الأول، إن سجد إمامه قبل انتصابه قائماً لزمه الرجوع، وإن انتصب قائماً ولم يشرع في القراءة لم يرجع، وإن رجع جاز، وإن شرع في القراءة لم يكن له الرجوع. نص عليه أحمد…"

والخلاصة أن للمأموم مع سجود السهو أحوال:‏

أولاً: أن يبتدئ الصلاة مع إمامه، فإن حصل منه سهو لم يحصل من إمامه فلا سجود ‏عليه، وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ)، فمتابعة الإمام في السلام معه، وعدم الزيادة عليه؛ مقدمة على سجود السهو.‏

ثانياً: أن يكون المأموم مسبوقاً وهو من فاته شيء من الصلاة ولزمه الإتمام، وهذا له ‏حالان: ‏

الأول: أن يسهو فيما انفرد به بعد إمامه فهو في هذا كالمنفرد فيسجد للسهو.‏

الثاني: أن يسهو فيما صلاه مع إمامه، كأن يدخل معه في الركعة الثانية ويسهو في الثالثة، ‏فهذا يسجد للسهو أيضاً عند بعض أهل العلم.

ثالثاً: أن يقع السهو من الإمام ويسجد للسهو، فيلزم المأموم متابعته في الجملة، وللعلماء في ذلك تفاصيل مذكورة في كتب الفقه.

رابعاً: أن يسهو الإمام ولا يسجد – مع كونه يرى وجوب السجود – فيسجد المأموم إذا ‏أيس من سجود إمامه.

والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين6.


 


1 رواه الدارقطني (1) ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2  رواه البخاري (689) ومسلم (414).

3  شرح منتهى الإرادات (1/230).

4 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ج 2 / ص 419).

5 رواه البخاري (689) ومسلم (414).

6 المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.