ألفاظ الأذان بين السنة والبدعة

 

 

 

 

ألفاظ الأذان بين السنة والبدعة

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..

أما بعد:

فإن الأذان عبادة جليلة، وقربة يتقرب بها الإنسان إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك فإنه يجب على المؤذن أن يتقيد بما جاءت السنة ببيانه من ألفاظ الأذان والإقامة، ذلك أن العبادة مبنية على التوقيف، بمعنى أنه لا يجوز لنا شرعاً أن نزيد أو ننقص في ألفاظ الأذان أو الإقامة على ما جاءت به السنة الصحيحة.

والأذان الذي جاءت السنة ببيان ألفاظه: الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، ثم حي الصلاة، مرتين، ثم حي على الفلاح، مرتين، ثم يعيد الله أكبر، مرتين، ثم يختم بقوله: لا إله  إلا الله، مرة واحدة.. هذه صفة الأذان الواردة في السنة الصحيحة..

وأما صفة الإقامة فيقول: الله أكبر، الله أكبر،مرتين، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرة واحدة، ثم أشهد أن محمداً رسول الله، مرة واحدة، ثم حي على الصلاة، مرة واحدة، ثم حي على الفلاح، مرة واحدة، ثم يقول: قد قامت الصلاة، مرتين، ثم يقول: الله أكبر مرتين، ثم يختم بقوله: لا إله إلا الله..

وهناك صفة أخرى للأذان بأن يثني التكبيرات الأولى،وهكذا بقية ألفاظ الأذان، ما عدا لفظة: لا إله إلا لله، فيفردها.. وكذلك الإقامة مثل الأذان إلا أنه يضيف لفظ: قد قامت الصلاة، مرتين.. فكل هذا وردت به السنة الصحيحة..

وهناك ما يسمى بالترجيع في الأذان وهي الصفة الثالثة، وكيفيتها: أن يقول الله أكبر أربع مرات، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين ولا يرفع بها صوته، ثم يرفع صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين.. ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله مرتين ولا يرفع بها صوته، ثم يرفع صوته بها مرة أخرى فيقول: أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين.. ثم يكمل الأذان كما تقدم في الصفة الأولى..

كما أن هناك ألفاظاً أخرى وردت السنة الصحيحة بأنها تقال في الأذان لبعض الصلوات، كزيادة لفظة: الصلاة خير من النوم، بعد قول المؤذن: حي على الفلاح، في صلاة الفجر، وكذلك لفظة: صلوا في رحالكم عند المطر، فتقال بعد:حي على الفلاح، أو تقال بعد الانتهاء من الأذان، فيقولها المؤذن مرتين.. فهذا مما جاءت به سنة رسول الله   في الأذان..

وأما زيادة الألفاظ المبتدعة في الأذان وكذا في الإقامة فإن ذلك مما لا يجوز؛ لأن في ذلك مخالفة صريحة لرسول الله  الذي بين الأحكام ولا يجوز تعديها..

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان: قراءة بعض المؤذنين لبعض الآيات من القرآن، كقراءة بعض المؤذنين قبل الأذان: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًاسورة الإسراء (111)، أو قراءة البعض: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ سورة فصلت(33)، فهذا مما لم يرد فيه دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم..

وكذلك قول بعضهم بعد الفراغ من الأذان: الفاتحة إلى روح نبينا…إلخ.. أو الصلاة والسلام على رسول الله وآله، عبر مكبرات الصوت، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ والأذكار التي يقولها بعض المؤذنين قبل وبعد الفراغ من الأذان1..

والسنة للإنسان أن يردد بعد المؤذن ثم يصلي على النبي   بعد الفراغ من الأذان، ثم يسأل له الوسيلة، وكذلك يسن للمؤن نفسه أن يصلي على النبي  ، ولكن بينه وبين نفسه، وليس بصوت مرتفع يساوي صوت الأذان، وكأنه زيادة فيه..

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان: ما يسميه البعض بالتسابيح أو التواشيح، أو ما أشبه ذلك، فتجد في بعض المساجد بعض الناس يرفعون أصواتهم بهذه التسابيح قبل الأذان الثاني لصلاة الفجر، وكذلك قبل صعود الإمام إلى المنبر يوم الجمعة، وقد نص على عدم جواز ذلك علماء الإسلام، يقول ابن الجوزي -رحمه الله- وهو يبين تلبيس إبليس في الأذان: “ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطا فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان، وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرا على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات”2..

وقال ابن الحاج في “المدخل”: “وينهى المؤذنون عمّا أحدثوه من التسبيح بالليل، وإن كان ذكر الله – تعالى- حسناً سراً وعلناً، لكن في المواضع التي تركها الشارع -صلوات الله وسلامه عليه- ولم يعين فيها شيئاً معلوماً”. وقال أيضاً: “وينهى المؤذنون عما أحدثوه من التذكار يوم الجمعة، لأن النبي  لم يفعله، ولا أمر به، ولا فعله أحد من بعده من السلف الماضيين -رضي الله عنهم–، بل هو قريب العهد بالحدوث”.

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان ما اشتهر عند الزيدية وغيرهم من الشيعة: زيادة لفظ: “حي على خير العمل” في الأذان والإقامة، وكذلك زيادة “سيدنا” في الإقامة، وكذلك زيادة لفظة كاملة في الأذان: ” أشهد أن عليا ولي الله”، كما هي عند الرافضة، فزيادة هذه الألفاظ من البدع المنكرة المحدثة في الأذان والتي لم يدل عليها دليل من السنة، بل الوارد المنع من ذلك، يقول ابن الحاج وهو يتحدث عما ينهى فعله في المسجد: “وأما في أثناء الأذان فقد أضاف الناس كلماتٍ وألفاظٍ ليس عليها دليل، وليس عندهم من الله فيها برهان، ومنها زيادة لفظة “سيدنا”

في ألفاظ الإقامة، وزيادة “حي على خير العمل” عند الأذان والإقامة، وزيادة بعضهم جملة كاملة في ألفاظ الأذان “أشهد أن عليا ولي الله” وهذا مما لا يجوز زيادته في الأذان، وكأنهم يتهمون النبي   بعدم البيان، والدين بالنقصان، ولأن الأذان عبادة مستقلة لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان. يقول القاسمي في “إصلاح المساجد”: “إن ألفاظ الأذانين مأثورة متعبد بها، رويت بالتواتر خلفاً عن سلف، في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم، ولم يرو أحد قط استحباب هذه الزيادة- يقصد لفظة “سيدنا”- عن صحابي ولا تابعي، بل ولا فقيه من فقهاء الأئمة ولا أتباعهم”..

وقد وجه سؤالا إلى سماحة العلامة عبد العزيز بن باز يقول نص السؤال: “ما حكم الإسلام في زيادة: “حي على خير العمل” في الأذان؟ وهل ثبتت عن الرسول  ؟ وما حكم الصلاة في المساجد التي يؤذّن بحي على خير العمل فيها؟ وهل صحيح أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أذّن بها في إحدى الغزوات؟”.

فكان الجواب: “… فقد ثبتت الأحاديث عن رسول الله   في بيان صفة الأذان، وقد علمه بلالا، وعلمه أبا محذورة، والأحاديث في ذلك ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وليس فيها “حي على خير العمل”، وليس فيها “أشهد أن علياً ولي الله”، بل هاتان الجملتان من البدع المحدثة في الأذان بعد النبي  ، وقد قال   في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني مردود رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في الصحيح. وأخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي   أنه كان يقول في خطبة الجمعة: (أما بعـد: فإن خير الكتاب كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعةٍ ضلالة). فالواجب على المؤذنين أن يدعو هذه الزيادة؛ لأنها غير ثابتة عن النبي ، بل هي من البدع…”3.

وعليه فإن فالواجب على المؤذنين التقيد بما وردت السنة ببيانه، وأن لا يزاد في ألفاظ الأذان ولا الإقامة، فمن زاد في ذلك فقد خالف الكتاب والسنة.. والله وحده نسأل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يرزقنا التمسك السنة المطهرة والبعد عن البدع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


1 يراجع: إصلاح المساجد للقاسمي صـ(133-134).

2 تلبيس إبليس(168).

3 برنامج نور على الدرب، رقم الحلقة (660).