خروج الإمام من الصلاة

خروج الإمام من الصلاة

خروج الإمام من الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإن من المسائل المتعلقة بالصلاة والتي ينبغي على الإمام ومن يليه معرفتها مسألة خروج الإمام من الصلاة لعذر من الأعذار، كأن يكون محدثاً لم يتوضأ أو لم يغتسل للجنابة، أو حدث له حدثٌ أثناء الصلاة.. فما حكم الخروج من الصلاة وما حكم الاستمرار فيها مع العلم بعدم الطهارة..؟

إذا أحدث الإمام في الصلاة أو دخلها بغير طهارة فعليه الخروج منها لرفع الحدث عن نفسه بالوضوء أو الغسل، وعليه أن يستخلف من يؤم الناس بأن يقدم أحد المصلين ممن يليه فيكمل بهم الصلاة.

فقد روى عبد الرزاق عن الحسن وقتادة في رجل أم قوماً فأحدث في صلاته قالا: يقدم رجلا يصلي بهم ما بقي من صلاتهم.

وعن ابن جريج عن عطاء قال: إن رعف الإمام فليتأخر وليقدم رجلاً فيصلي بهم.1

وقد ذكر ابن عبد البر عند حديث صلاة أبي بكر بالناس عند غياب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فوائد الحديث: " فيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام أو منعه مانع من تمام صلاته؛ لأن الإمام إذا أحدث كان أولى بالاستخلاف، وكان ذلك منه أجوز من تأخر أبي بكر رضي الله عنه من غير حدث؛ لأن المحدث لا يجوز له أن يتمادى في تلك الصلاة، وقد كان لأبي بكر أن يتمادى لولا موضع فضيلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقدم بين يديه بغير إذنه -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان يجوز له أن يثبت ويتمادى لإشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن امكث مكانك. وليس كذلك المحدث؛ ولهذا يستخلف عند جمهور العلماء".2

وإذا كان مكان المغتسل أو الوضوء قريباً وأمكن للإمام أن يذهب فيرجع وينتظره المأمومون فلا بأس بذلك..

لما روى مالك في الموطأ عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا، فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء".3

قال الشافعي: "ولو أن إماما كبر وقرأ وركع أو لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة -فكان خروجه أو غسله قريبا- فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع فيستأنف ويتمون لأنفسهم، كما فعل رسول الله -عليه السلام- حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم فاستأنف لنفسه؛ لأنه لا يعتد بتكبيرة كبرها وهو جنب، ويتم القوم لأنفسهم؛ لأنهم لو أتموا لأنفسهم حين خرج عنهم إمامهم أجزأتهم صلاتهم

قال: وإن كان خروج الإمام يتباعد أو طهارته تثقل صلوا لأنفسهم.

قال: وسواء أشار إليهم أن ينتظروه أو كلمهم لأنهم في غير صلاة، فإن انتظروه وكان قريباً فحسن، وإن خالفوه فصلوا لأنفسهم فرادى أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم.

قال: والاختيار عندي للمأمومين إذا فسدت على الإمام صلاته أن يبنوا فرادى ولا ينتظروه، وليس أحد كرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الشافعي: ولو أن إماماً صلى ركعة ثم ذكر أنه جنب فخرج واغتسل وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليه وعليهم صلاتهم لأنهم يأتمون به عالمين أن صلاته فاسدة، وليس له أن يبني على ركعة صلاها جنبا.

قال: ولو علم بعضهم ولم يعلم بعض فسدت صلاة من علم ذلك منهم.

قال أبو عمر بن عبد البر: احتج من أجاز انتظار القوم للإمام إذا أحدث بحديث هذا الباب (المذكور سابقاً) وفيه ما ذكرنا من الاختلاف في تكبيره عليه السلام.

واحتج أيضا بما حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه فأشار إليهم كما أنتم فخرج فتوضأ ثم رجع فأعاد.

قال أبو عمر: كذا قال (فأعاد) وفيه نظر.

وقد تقدم في مس الذكر في بابه ما يكفي وكذلك في بناء الراعف والمحدث.

وقال داود: إذا أحدث الإمام في صلاته صلى القوم أفراداً.

وأما أهل الكوفة وأكثر أهل المدينة فقائلون بالاستخلاف لمن نابه شيء في صلاته، فإن جهل الإمام ولم يستخلف تقدمهم واحد منهم بإذنهم أو بغير إذنهم وأتم بهم، وذلك عندهم عمل مستفيض.

إلا أن أبا حنيفة إنما يرى الاستخلاف لمن أحرم وهو طاهر ثم أحدث ولا يرى لإمام جنب أو على غير وضوء إذا ذكر ذلك في صلاته أن يستخلف.

وليس في هذه المسألة عندي موضع للاستخلاف؛ لأن القوم عندهم في غير صلاة هم وإمامهم..".4

هذه بعض أقوال الأئمة في مسألة خروج الإمام من الصلاة لحدث أو رعاف ونحو ذلك، واستخلافه أحد المأمومين مكانه أو انتظارهم له إن كان محل غسله ووضوئه قريباً..

والله أعلم.


 


1 مصنف عبد الرزاق جزء 2 صفحة 353.

2 التمهيد جزء 21 صفحة 104.

3 الموطأ – رواية يحيى الليثي  جزء 1 –  صفحة 48 .

4 الاستذكار لابن عبد البر جزء 1 صفحة 283-284.