آداب شهود النساء الصلاة في المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول النبي ﷺ مخاطباً أولياء أمور النساء: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ الله1، ومن هنا فإن المرأة إذا أرادت أن تصلي مع الرجال في المسجد، وتشهد الخير معهم؛ فلا بأس بذلك، لكن لا بد أن تلتزم الآداب التي لا بد منها، ومن هذه الآداب ما يلي:
أولاً: الإخلاص لله – جل وعلا – فينبغي للمرأة المسلمة أن تبتغي بكل عمل وجه الله تعالى؛ لأنه شرط من شروط قبول العمل، فلا تخرج بقصد لقاء الأخوات في المسجد، أو التلذذ بأصوات القراء، أو غيرة من فلانة، أو تقليد لعلانة من الناس، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (سورة البينة:5).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ لِشَيْءٍ فَهُوَ حَظُّهُ2، فلتحرص المرأة المسلمة أن يكون حظها من الخروج إلى المسجد هو الأجر والثواب لا الإثم والعقاب.
ثانياً: الاستئذان فلا بد للمرأة أن تستأذن من زوجها فعن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله ﷺ: لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ3، وفي رواية: إذا استأذنكم نسائكم إلى المساجد فأذنوا لهن4، فإن أذن لها وإلا فلا تذهب؛ لأن طاعة الزوج مقدمة على نوافل العبادات كلها قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (سورة النساء:34)، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (سورة البقرة:228)، قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: أي في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر.
وقال ﷺ: اثْنَانِ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمَا رُءُوسَهُمَا: عَبْدٌ آبِقٌ مِنْ مَوَالِيهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، وَامْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا حَتَّى تَرْجِعَ5، أي ترجع من عصيانه، وتطيع أمره.
ثالثاً: ألا تخرج إلا متسترة، فإذا خرجت المرأة للصلاة فعليها الستر الكامل للجسم، وألا يكون حجابها شفافاً ولا ضيقاً، بل واسعاً ساتراً فضفاضاً، وألا تظهر شيئاً من زينتها، ولتعلم أن هذا ليس كبتاً، وحبساً لها، وإنما هو احتراماً وصيانة، وحماية لها. رابعاً: ألا تخرج متعطرة، فبعض النساء تأتي إلى المسجد متعطرة متجملة كأنها تزف إلى يوم عرسها، أو كأنها ذاهبة إلى حفلة زواج وهو فعل محرم، وقد قال ﷺ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ6 زاد أحمد: اغتسالها من الجنابة7.
خامساً: تجنب أكل الثوم والبصل، فواجب على المرأة المسلمة أن تعتزل تلك الأطعمة حين ذهابها إلى المسجد لحديث جابر أن النبي ﷺ قال: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ8، ولقوله ﷺ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ9.
سادساً: ألا تخرج إلا مع ذي محرم، فلا يجوز للمرأة أن تحضر مع السائق إلى المسجد بمفردها لأداء الصلاة في المسجد؛ إذ بذلك ترتكب المرأة مخالفة شرعية من أجل الحصول على أمر مباح أو مستحب لها، وهذا خطأ، فليس كل غاية تبرر كل وسيلة، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتُتبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ10. فعلى المرأة أن تصلي في بيتها إذا لم يكن لها محرم يأتي معها إلى المسجد؛ فإن صلاتها في بيتها خير لها من أن تخرج مع السائق لأداء الصلاة في المسجد.
سابعاً: أمن الطريق إلى المسجد، أي ألا يكون في الطريق إلى المسجد ما يخاف منه مفسدة، فإن كان الطريق غير آمن، ويخشى عليها من الفساق؛ حرم خروجها لمظنة الفتنة، وتحقق الفساد.
ثامناً: غض البصر فتغض بصرها كما أمرها ربها، فلا تنظر إلى الرجل الأجنبي قال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ (سورة النـور:31). قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “أي عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة، ولا بغير شهوة”11، وقال النووي – رحمه الله تعالى -: “بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ووَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ (سورة النور:30-31)؛ ولأن الفتنة مشتركة كما يخاف الافتتان بها”12، وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: “لما كان غض البصر أصلاً لحفظ الفرج بدأ بذكره، فقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب، فإذا غض بصره غض شهوته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته”13. تاسعاً: خفض الصوت: فالمسلم عموماً مأمور بخفض الصوت في المسجد وخارجه؛ لأنه من آداب الإسلام الحسنة قال تعالى على لسان لقمان الحكيم وهو يوجه ابنه إلى هذا الأدب الرفيع: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (سورة لقمان:19)، وهذا الأدب في حق المرأة آكد؛ لقوله ﷺ: الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ14، وهذا يشمل كل المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها حتى صوتها – عند بعض أهل العلم – ولا عجب في ذلك فقد قال تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ (سورة النور:31)، فإذا كان صوت الخلخال في الأرجل فتنة للرجال فكيف لا يكون صوت المرأة فتنة، ولذا قال تعالى محذراً أزواج النبي ﷺ العفيفات الطاهرات: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (سورة الأحزاب:32) كل ذلك صيانة للنساء في مجامع الرجال ونحوها؛ لأن في ذلك فتنة لبعض القلوب المريضة.
عاشراً: عدم الاختلاط بالرجال أثناء الدخول والخروج، ولهذا نرى المصطفى ﷺ يرشدهن لهذا الأمر، فقد روى أبو داود والبيهقي بسند حسن عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي ﷺ وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق يقول للنساء: اسْتَأْخِرْنَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به15،16.
هذه بعض الآداب المهمة التي يجب على المرأة الالتزام بها إن هي أرادت أن تخرج من بيتها لأداء الصلاة في المسجد أو غير ذلك.
نسأل الله أن يوفق الجميع للتحلي بأخلاق الإسلام الحميدة، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري (858) ومسلم (442).
2 رواه أبو داود (472) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (447).
3 رواه أحمد (5640) والطبراني في الأوسط (120) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7454).
4 رواه مسلم (442).
5 رواه الحاكم (7330) والطبراني (478) وصححه الألباني في صحيح الجامع (136).
6 رواه ابن ماجة (4002) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2703)
7 مسند الإمام أحمد (9725).
8 رواه مسلم (564).
9 رواه البخاري (6926) ومسلم (564).
10 رواه البخاري (2844) ومسلم (1341).
11 تفسير ابن كثير (3/ 378).
12 شرح النووي على مسلم.
13 روضة المحبين لابن القيم (1 /92).
14 رواه الترمذي (1173) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6690).
15 رواه أبو داود (5272) وصححه الألباني في صحيح الجامع (929).
16 المصدر: بتصرف من كتاب المسجد في رمضان من إعداد بشير فرحان العنزي.