عبر من التاريخ المعاصر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد كان عمرها (35 سنة) تعمل ممرضة، كانت قد انتهت من مساعدة طفليها في أداء واجباتهما المدرسية، وبعد تناول العشاء استغرق الثلاثة في النوم، فقد كان الزوج الذي يعمل موظفاً بإحدى المصالح الحكومية قد توجه لزيارة أمه العجوز، وليبيت معها لإصابتها بمرض طارئ.
في تلك الليلة ظلت قلقة طوال الليل نظراً لعدم وجود زوجها بالمنزل، حتى تنبهت على صوت غريب في الصالة، وأخذ الصوت يقترب من غرفة النوم، فقفزت من السرير بسرعة لاستطلاع الأمر، ولكنها قبل أن تغادر الغرفة فوجئت بشخص يقف أمامها، وعلى ضوء المصباح الصغير في صالة الشقة تعرفت إليه، إنه ابن صاحب الشقة التي تسكن فيها، وهو مدمن، اقترب منها وهو يترنح فنهرته وهي تسأله عن سبب وكيفية دخوله الشقة رغم أنها أغلقت الباب من الداخل بإحكام؟ يجيبها بصوت متلعثم محاولاً تهدئتها، وقام بأخذها بين أحضانه، فدفعته بعنف بعيداً عنها، وطلبت منه الانصراف فوراً قبل أن تصرخ وتستنجد بالجيران، فأيقن وقتها أنها لن تستجيب لرغباته الدنيئة مهما حدث، فأشهر السكين التي كان يخفيها في جيبه في وجهها ليهددها ولكنها لم تأبه بالسكين، وأخذت تطلق صرخات الاستغاثة بالجيران، وقبل أن تكمل صرخاتها كان قد غرس السكين في جسدها عدة مرات حتى سقطت على الأرض مضرجة بدمائها، وعلى صوت صرخاتها استيقظ ابنها الطفل (8 سنوات) فشاهد أمه ملقاة على الأرض وبجوارها ابن صاحب الشقة، فسأله ببراءة الطفل عما حدث؟ فأجابه المجرم بطعنة في وجهه سقط الطفل على أثرها إلى جوار أمه، وقف القاتل مذهولاً للحظات، وخوفاً من تجمع الجيران على صوت صرخات المجني عليها تسلل من حيث أتى عبر شباك مطبخ الشقة، وهبط على المواسير محاولاً الهرب من خلال الشقة الكائنة بالطابق الأرضي والتي يستخدمها صاحبها في تربية الطيور، لكنه فوجئ بأن باب الشقة مغلق من الخارج، وفشلت محاولته في الهرب.
دخل إلى إحدى الحجرات بالشقة فوجدها مكتظة بالدجاج والبط، وعلى الفور قام بخنقها خوفاً من إحداثها أصواتاً ترشد عنه، ثم دخل أسفل سرير قديم كان موجوداً بالحجرة استغرق في النوم.
في تلك الأثناء كان الطفل الثاني للقتيلة (9 سنوات) قد استيقظ من نومه، ففوجئ بالمشهد المروع، فانهار في نوبة من البكاء، وعلى صوت صرخاته استيقظ الجيران، وقاموا بإبلاغ الشرطة التي انتقلت على الفور إلى مسرح الحادث، وتبين من المعاينة المبدئية أن جثة المجني عليها مسجاة بجوار سرير غرفة النوم وسط بركة من الدماء، وبها طعنات متعددة في أماكن متفرقة من جسدها، وإلى جوارها طفلها الذي كان مصاباً بجرح قطعي بالخد الأيمن، فتم نقله على الفور إلى المستشفى، كما كشفت المعاينة عن وجود تمزق في سلك شباك المطبخ مما يرجح دخول وخروج الجاني عن طريقه، كما تم العثور على السكين المستخدمة في الجريمة إلى جوار جثة المجني عليها، وأكد الجيران على عدم خروج أي أشخاص من المنزل حتى حضور رجال الشرطة، وأن الشقة الكائنة بالطابق الأرضي مغلقة وغير آهلة بالسكان حيث يستخدمها صاحبها في تربية الطيور.
فتم استدعاء صاحب الشقة، وبفتح بابها، والدخول إليها؛ تبين أن باب المنور مفتوح مما يؤكد أن المتهم ما زال داخل الشقة، وكانت المفاجأة لرجال الشرطة هي عثورهم عليه نائماً أسفل سرير قديم بإحدى حجرات الشقة، كما عثروا على عدد كبير من البط والدجاج مخنوقاً.
تم اقتياد المتهم إلى قسم الشرطة حيث أدلى باعتراف تفصيلي عن جريمته، وأكد أنه لا يقيم بالمنزل وإنما يتردد على عمته المقيمة أعلى شقة المجني عليها التي كان يراقبها منذ فترة طويلة، وعندما علم بالصدفة بأن زوجها غير موجود بالشقة في تلك الليلة قرر أن يتسلل إلى شقتها ليراودها عن نفسها، فتسلل إلى سطح المنزل، وبعد منتصف الليل هبط على مواسير المياه إلى شباك مطبخ شقة القتيلة، ومزق السلك، ودخل من خلاله، ولكنه فوجئ بأن المجني عليها قد استيقظت، وحاولت الاستغاثة بالجيران، فانهال عليها بالسكين وعندما استيقظ طفلها طعنه طعنة هو الآخر وفر هارب1.
تلكم الحكاية الواقعية المؤلمة – عباد الله – إنما هي نتيجة واقع هجر الناس فيه أحكام الله، وتهاونوا فيه بحدود الله، خاصة وأننا في زمن كثرت فيه الشهوات، وازادت فيه نزغات الشيطان، وانتشرت فيه الفتن بأشكالها وأنواعها، فمن المسؤول عما يجري للأمة من جراح في أخلاقها وقيمها ومبادئها، من المسؤول عن حقوق ضيعت، وأعراض انتهكت، وأموال سرقت، وأراض اغتصبت، هذا كله في بلاد المسلمين من قبل أناس هم أصلاً مسلمون، ناهيك عما يحدث من ظلم وقهر في بلاد المسلمين من قبل أعداء الملة والدين من الكفرة والملحدين.
إخواني:
إن من طبيعة البشر أن يكون لهم إرادات متباينة، ونزعات مختلفة، فمنها نزعات إلى الحق والخير، ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (سورة التغابن:2)، وقال تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (سورة الليل:4). ولما كانت النزعات إلى الباطل والشر في ضرورة إلى ما يكبح جماحها، ويخفف من حدتها من وازع إيماني، أو رادع سلطاني؛ جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر، والترغيب في الحق والخير، وبيان ما يترتب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، وما يترتب على الحق والخير من مصالح في الدنيا، ومثوبات نعيم في الآخرة.
ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة الموغلة في الباطل والشر، وكبح جماحها، والتخفيف من حدتها؛ فرض رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيوية، وحدوداً متنوعة بحسب الجرائم؛ لتردع المعتدي، وتصلح الفاسد، وتقيم الأعوج، وتظهر الملة، وتستقيم الأمة، وتكفر جريمة المجرم فلا تجتمع له عقوبة الآخرة مع عقوبة الدنيا، ففرض الله الحدود، وأوجب على ولاة الأمور إقامتها على الشريف والوضيع، والغني والفقير، والذكر والأنثى، والقريب منهم والبعيد2.
اللهم ارحمنا برحمتك، وارفع الضر عن المسلمين، واحفظهم وأموالهم، وأعراضهم ونساءهم وأولادهم إنك رؤوف رحيم، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.