أذان المحدث

أذان المحــدِث

 

أذان المحدِث

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان على يوم الدين.

أما بعد:

فإن للأذان شروطاً وآداباً، ينبغي للمؤذن القيام بها، فمن آدابه المستحبة أن يكون المؤذن متطهراً من الحدثين الأصغر والأكبر، ويتأكد ذلك في الإقامة أكثر لاتصالها بالصلاة، وهذا الأدب اتفق الفقهاء على اعتباره1. واستدلوا على ذلك بأدلة منها: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤذن إلا متوضئ)2. وحديث المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: (إن كرهت أن أذكر الله -عز وجل- على طهر) أو قال: (على طهارة)3. وجه الدلالة أنه كره أن يذكره الله إلا على طهر، وفي الأذان والإقامة ذكر لله فإتيانهما مع الطهارة مطلوب. وكذلك استدلوا بحديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (يا ابن عباس: إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر)4. واستدلوا كذلك بما روي عن وائل بن حجر أنه قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا طاهر… 5. وعللوا لقولهم ذلك بأن الأذان ذكر مشروع معظَّم فأداءه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم، مثل الطهارة لقراءة القرآن وللخطبة6. ولأن المؤذن يدعوا إلى الصلاة، فليكن بصفة من يبادر إليها؛ كالعالم العامل إذا تكلم انتفع الناس بعلمه، فإن لم يكن متطهراً فهو واعظ غير متعظ، وقد يدخل تحت قول الله-تعالى-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} 7. سورة البقرة (44).

وكذلك اتفق الفقهاء على صحة الأذان والإقامة من المحدث حدثاً أصغر، وقد حكى الإجماع على ذلك الوزير ابن هبيرة8. واتفقوا كذلك على كراهة إقامة المحدث حدثاً أصغر؛ لأن السنة وصل الإقامة بالشروع في الصلاة، فكان الفصل مكروه9. إلا رأياً لبعض الحنفية بعدم الكراهة؛ لأنه أحد الأذانين10. نسأل الله أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا التأويل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. والله أعلم.


1 – بدائع الصنائع(1/151). وفتح القدير(1/251).

2 – أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء( جامع الترمذي1/241) حديث(200)). والبيهقي في السنن الكبرى(2/148) رقم(1897) وقد روي موقوفاً على أبي هريرة، هو أصح من المرفوع؛ كما قرر ذلك جمع من الأئمة منهم الترمذي والبيهقي  وغيرهم.

3 – أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب أيرد السلام وهو يبول( سنن أبي داود1/14 برقم(17)). والنسائي في كتاب الطهارة، باب رد السلام بعد الوضوء(سنن النسائي(1/40 برقم(38)). وابن ماجه في السنن1/126 برقم(350))، وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (1/16).

4 – أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان( انظر نصب الراية(1/367). وسبل السلام(1/221).

5 – أخرجه البيهي في السنن الكبرى(2/148 رقم(1898).

6 – بدائع الصنائع(1/151). والمغني(2/68).

7 – انظر: المبسوط(1/132). ومغني المحتاج(1/138).

8 –  انظر الإفصاح عن معاني الصحاح(1/68).

9 –  المبسوط(1/131) وبدائع الصنائع(1/151) والأم(1/85). والمغني(2/68) والإنصاف(1/386، 387).

10 –  الهداية مع فتح القدير(1/252). وللاستزادة من التفاصيل والتفريعات في حكم أذان وإقامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر راجع: " إحكام الأذان والنداء والإقامة" صـ(192- 197).