عالمية رمضان

عالمية رمضان

عالمية رمضان

 

 الحمد لله الذي هدى للإحسان، وجعل كتابه دليلاً لأهل الإيمان، والصلاة والسلام على من زانه بالقرآن، وحباه بليلة القدر في رمضان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد: 

فقد مرت الليالي وتوالت الأيام، وتعاقبت الأشهر وتصرّم العام، ودار الزمان دورته وها نحن في شهر الصيام، شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر صحة الأبدان، شهر زيادة الإيمان.. يأتي رمضان والنفوس إليه متشوقة، والقلوب إليه متلهفة، تمر بالذاكرة صور كثيرة، مساجد ممتلئة بالمصلين، وذاكرين ومرتلين، ومنفقين ومتصدقين، ونكاد نسمع ترتيل القرآن في المحاريب، وبكاء المبتهلين في الدعاء، فيزداد لذلك الشوق ويعظم العزم، وتتهيأ النفس.

وفي ظل الفرقة والشتات والاختلاف والشرخ العميق في علاقات الأمة الإسلامية لا شيء يوحدها سوى شهر رمضان الكريم، المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتفقون على تعظيم شهر رمضان الكريم يجتمعون فيه على العبادة والطاعة كما أمرهم المولى عز وجل وان اختلفت مظاهر الاحتفاء.

فرمضان يدعو إلى وحدة الصف: وتتجلى في تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب، فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.

لذا؛ نجد وحدة الصف تنبع من ساحة الصوم، ومن أبرز مظاهرها ما يلي:

أولاً: فرض الصوم بنداء الله للمؤمنين عامة: كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ… الآية (183) سورة البقرة. فنداء الله للمؤمنين تكريم لهم وتشريف، ودعوة لهم إلى وحدة صفهم، وتآلف قلوبهم، لعزتهم ورفعة مكانتهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى: فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود.

ثانيًا: اجتماع المسلمين على بداية رمضان ونهايته دليل على وحدتهم وقوتهم فالبلد الذي يشترك في مطلع الشمس مع غيره من بلاد العالم الإسلامي أو غير الإسلامي، أو كان مطلعه قريبًا من بعضها يلزمه الاتحاد معها في بداية شهر رمضان؛ لأن ذلك يُعدّ مظهرًا لوحدة المسلمين، وقوة لرباطهم الإيماني، حيث يتّحدون في وقت الإفطار والإمساك، ومناجاة الله عند فطرهم وإمساكهم.

كذلك مظهر المسلمين في وحدة صفهم يبرز واضحا في نهاية رمضان وبداية أول ليلة من شوال؛ فالمسلمون يتحدون في التكبير والتهليل، وفي اجتماعهم لصلاة عيد الفطر في الخلاء، أو في مساجدهم على قلب رجل واحد، وفي ذلك من وحدة الصف ما لا يخفى.

ومن مظاهر الوحدة في رمضان: صلاة القيام في جماعة: فقد اختص رمضان باجتماع المسلمين بعد العشاء في كل ليلة منه؛ لأداء صلاة التراويح في جماعة، فهي دعوة إلى وحدة الأمة في عبوديتها لربها ووحدة صفها.

رابعًا: اعتكاف صفوة من المسلمين في المساجد تربية على وحدة الصف:

فسنة الاعتكاف اختصت بها العشر الأواخر من رمضان؛ تدريبًا لصفوة من أبناء الأمة المسلمة على الرجولة والاتحاد في المظهر والجوهر؛ لتؤصل في المسلمين وحدة الصف. وهناك مظاهر أخرى للوحدة يطول المقام بذكرها، ولكنها لا تخفى على ذي لُبٍّ.

إن المجتمع المسلم المعاصر الذي تمزّق كيانه، وتفرّق صفه، فأضحى ساحة لمطامع أعدائه، فاستولى العدو على بعض مقدساته، وأراق دماء أبنائه على أرضه.. أرى أن هذا المجتمع في حاجة ماسّة إلى إعادة بنائه.. ومعلوم أن لبناته هم أفراده.1

رمضانُ، في قلب الحبِّ غرامُ *** وبه إليـكَ تلهّـفٌ وهُيـامُ

في كل عامٍ يا حبيبُ تزورنا *** ولشوقنا –حتى تزورَ– ضرامُ

تأتي فيزهر في لياليك التُقى *** ويَطيـب فيـها للعبادِ قيامُ

تأتي إلينا ضاحكاً مستبشراً *** ولكلِّ مجتهـدٍ لديـك مَقام

أوّاه يا رمضانُ، كم أهفو إلى *** بُشرى تسطِّرها لكَ الأقلامُ

كم يا حبيب أَوَدُّ لو أنا إذا *** شرِّفتنا يصفو لك الإكـرامُ

فالله الله أيها المسلمون: أن تكون هذا الوحدة في رمضان ثم كل ينكص على عقبيه! بل تكون باستمرار، فهي دعوة من الله تعالى إلى التوحد والاجتماع، ونبذ التفرق والاختلاف،  أسأل الله العظيم أن يوحد صفوف المسلمين، وأن ينصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله في كل مكان، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.


1 للاستفادة الرجوع إلى مقال بعنوان: الصوم ووحدة الصف: للدكتور فؤاد علي مخيمر، الرئيس العام للجمعيات الشرعية – والأستاذ بجامعة الأزهر.